تحریر المجله المجلد 1

اشارة

شماره بازیابی : 51-81060

وضعیت نمایه سازی : اطلاعات ثبت

شماره کتابشناسی ملی : 2870819

عنوان و نام پديدآور : تحریر المجله، تالیف آیةاله فقید محمدحسین آل کاشف الغطاء

مقطع و رشته تحصیلی : قضائی. عربی

ملاحظات: اين كتاب در كتاب فروشى نجاح در تهران و كتابفروشى فيروزآبادى در قم افست شده است.

مشخصات نشر : عراق. نجف اشرف، المكتبة المرتضوية.1359. ج 5

مشخصات ظاهری : 1146 ورق.

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

مقدمة الكتاب

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

أحمدك اللهم و أشكرك، و أستعين بك مصليا على نبيك و آله و صحبه الكرام، و بعد، فقد تكرر علىّ الطلب من بعض الشباب المهذب من طلاب الحقوق ان اكتب وجيزا في الأحوال الشخصية و المعاملات المالية على طريقة فقه الإمامية و لما كانت (مجلة العدلية) أو مجلة الأحكام هي الكتاب المقرر تدريسه في معاهد الحقوق من زمن الأتراك إلى اليوم نظرت فيه فوجدته مع حسن ترتيبه و تبويبه، و غزارة مادته محتاجا الى التنقيح و التحرير، و الإشارة الى ما فيه من الزيادة و التكرير، و بيان مدارك بعض القواعد و الفروع و ذكر مبانيها حسب الفن من الأدلة و الأصول، و الكتاب المزبور على ما يظهر من أسلوبه و يغلب عليه انه كتاب فقه لا تدوين قانون أوانه (فقه قانوني: أو قانون فقه) و على كلّ، فقد أمليت هذه الخواطر و جعلتها كتحرير لذلك الكتاب.

و الغرض المهم من ذلك. (أمران). (الأول) الشرح و التعليق عليه و حل بعض. معقداته و مشكلاته و [الثاني] بيان ما ينطبق منها على

ص: 4

مذهب الإمامية و ما يفترق، و عسى في طي ذلك تستبين الموزن بين فقه سائر المذاهب الإسلامية و فقه المذهب الجعفري و ما فيه من غزارة المادة و سعة الينبوع، و كثرة الفروع، و قوة المدارك و رصانة المباني، و سمو المعاني، و مطابقة العقل و العرف في الأكثر، و مع بعد النظر، على اننا لا نبخس حق القوم، و لكل وجهة هو موليها. و كلا وعد اللّٰه الحسنى و كل واحد من اعلام فقهاء الإسلام قد استفرغ معه وجد و اجتهد و سعى و كل سعيه مشكور و نسئله تعالى ان يجعل مساعينا خالصة لوجهه الكريم، و ان يلهمنا الحق و يصون أقلامنا و أقدامنا من خطوات الخطأ و عثرات الخطايا، و يجعله مؤلفاً نافعاً و أثرا خالداً و أقصى ما أرجوه من المطالعين الأفاضل و الشباب المهذب ان يتجردوا عند النظر فيه من بعض العواطف لنا أم علينا حتى ينظروا إلى الأشياء كما هي و يعطوها حقها بمعيار العدل و الإنصاف من دون إسراف و لا إجحاف اللهم أنت ولي في الدنيا و الآخرة توفني مسلماً و ألحقني بالصالحين

ص: 5

و قد جرت عادة المؤلفين في الغالب ان يذكروا امام المقصود مقدمة تشتمل على أمور تفيد مزيد بصيرة في العلم و الكتاب و نحن بتوفيقه تعالى نذكر من باب المقدمة أموراً لعلها تنفع في الغرض إن شاء اللّه (الأول) أهم شي ء يلزم معرفته بادئ بدء. ان اللّٰه سبحانه لما تعلقت مشيئته بإيجاد هذا النوع و هو المسمى بالبشر و قضت حكمته ان يعمر به هذه الكرة التي تسمى بالأرض و يمهد له فيها وسائل الرقي باختياره الى مدارج القدس و معارج السعادة في أولاه و أخراه لذلك أودع فيه غرائز و أوضاع، و فطرة على سجايا و طباع، قمينة له بالغرض الذي خلق من اجله- فجعل فيه الشهوة و الغضب و ما يتشعب منهما من الحرص و الطمع و الطموح و التعالي و ما الى ذلك مما لسنا بعدد إحصائه، و لكن لما كان من لوازم تلك الشناشن التغالب و التكالب، و التشاحن و التطاحن، و سعي بعض في هلاك بعض و حب الأثرة و الإمرة، و كان إرخاء العنان لتلك الغرائز و تركها على رسلها مما يعود بنقض الغرض من خلق الإنسان- لا جرم احتاجت القوتان إلى قوة اخرى تكبح طغيانها، و تمسك عنانها، و تعدل أوزانها، فنفخ فيه من روحه (القوة العاقلة) لتكون هي المسيطرة على جماح تلك القوتين الجبارتين، و لما كانت قوة العقل البشري نوعا محدودة، و حظيرة إدراكاته ضيقة، و كثيراً ما تكون في كثير من البشر ضعيفه، و ما أكثر ما تتغلب واحدة من تينك القوتين على القوة العاقلة فيصبح العقل أسير الهوى و العاطفة- فكان من الضروري في العناية الأزلية مناصرة العقل بمساعد و قائد برفده في

ص: 6

مهمتين (الاولى) تعريفه مالا يصل إدراكه إليه من مقادير الخير و الشر، و مقاييس السعادة و الشقاء (الثانية) موازرته على عامليه، إذا تمردا عليه، و هما الشهوة و الغضب- الهوى و العاطفة فكان ذلك القائد و المساعد للعقل هم الأنبياء و الرسل الذين جاءوا بالشرائع الإلهية و أسباب سعادة البشر في الحياتين، و كانت عناية الشريعة الإسلامية بالأخص من بين سائر الشرائع السماوية قد اهتمت أشد الاهتمام بسن القوانين و الاحكام و حفظ هذه الحياة حتى جعلتها في كفة الحياة الأخرى بل أرجح منها فقالت (من لا معاش له لا معاد له) و قالت: ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته و لا من ترك آخرته لدنياه بل خيركم من أخذ حظا من هذه و حظا من هذه، و اعمل لدنياك .. و اعمل لآخرتك .. و فوق ذلك كله قوله تعالى وَ ابْتَغِ فِيمٰا آتٰاكَ اللّٰهُ الدّٰارَ الْآخِرَةَ وَ لٰا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيٰا.

و فاقت على الشريعتين قبلها فقالت: رهبانية ابتدعوها. و لا رهبانية في الإسلام، و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، و ما عتم اليتيم الأمي صاحب الشريعة الإسلامية أن أصبح مؤسس شريعة، و مشرع قوانين، و مجدد دين، و محيي امة، و منفذ احكام، و قاضي خصام، و رافع رايات و اعلام، و قائد جيوش، و محطم عروش و امام محراب، و شاهر حراب، و مروج تجارة، و معلم زراعة و صناعة، الى غير ذلك من مقومات الحياة المشتركة، و المنافع المتكافئة، و السعادة التي تنتظم الحياتين، و تضمن الفوز في النشأتين

ص: 7

كل ذلك ليعرف البشر ارتباط هذه الحياة بالأخرى و ان السعادة هناك من هاهنا ثم لما كان من قضاء اللّٰه الأزلي و قدره المحتوم ان لإقرار لأحد في هذه الدار و انها جسر و قنطرة إلى الدار الأخرى فمات الأنبياء و هلك الحكماء و غاب الأولياء و السفراء، و لكن اللّٰه سبحانه حي لا يموت، و حكمته في خليفته لا تعطل، و لما أزمع خاتم الأنبياء على الرحيل الى حوار ربه لم يترك أمته سدى، و لم يدع الخلائق هملا، و لم تبطل بموته حجج اللّٰه و بيناته، و براهينه و آياته (فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ) بل ترك فيهم كتاب اللّٰه و سنته يستنبط منها العلماء احكام الوقائع المتجددة، و القضايا الحادثة، و هؤلاء العلماء هم المجتهدون، و إذا كانوا من أهل الورع و الصلاح و حصلت لهم ملكة الاستنباط و استفراغ الوسع في الاستخراج فهم ورثة الأنبياء و مراجع الأمة، و خلفاء الأئمة، و مصابيح الهدى (و في الحديث) (مجاري الأمور بأيدي العلماء) و مدادهم أفضل من دماء الشهداء و من هنا نعرف ان الاجتهاد باب رحمة على العباد، و ما زال باب الاجتهاد مفتوحا عند الإمامية من عهد صاحب الرسالة إلى اليوم و لكن هذه القضية بيننا و بين إخواننا المسلمين من بقية المذاهب قد تورطت بين تفريط و إفراط (فالامامية) فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه حتى ادى ذلك الى الفوضى المضرة و صار يدعيه، حتى من لا يصح ان

ص: 8

يطلق عليه اسم المتفقة فضلا عن الفقيه، و بقية المسلمين قد سدوا باب الاجتهاد بتاتاً و اقتصروا على المذاهب الأربعة، و قد ضاع الاعتدال و الوسط في هذه الناحية كما ضاع في غيرها، و لا حول و لا قوة.

(الثاني) ان مدار العقود و المعاملات على الأموال و ليس للمال حقيقة عينية خارجية كسائر الأعيان تتمحض في المالية تمحض سائر الأنواع في حقائقها النوعية، و انما هو حقيقة اعتبارية ينتزعها العقلاء من الموجودات الخارجية التي تتقوم بها معايشهم و تسد بها حاجاتهم الضرورية و الكمالية فمثلًا الحبوب و الأطعمة مال لان البشر محتاج إليها في اقواته و حياته و هكذا كل ما كان مثل ذا من حاجات الملابس و المساكن و نحوها قد انتزع العقلاء منها معنى وصفيا عرضيا يعبر عنه بالمال و هو من المعقولات الثانوية باصطلاح الحكيم، و لما كان مدنية الإنسان لا تتم إلا بالحياة المشتركة و هي تحتاج الى المقابضة و التبادل في الأعيان و المنافع و كان التقابض بتلك الأعيان و هي العروض مما لا ينضبط أرادوا جعل معيار يرجع إليه في المعاملات و يكون هو المرجع الأعلى و الوحدة المقياسية فاختاروا الذهب و الفضة و ضربت سكة السلطان عليهما لمزيد الاعتبار في ان يكون عليهما المدار فماليتهما أمر اعتباري محض لا فرق بينهما و بين سائر المعادن و غيرها من حيث الذات و الحقيقة، و لذا في هذه العصور حاول بعض الدول قلب الاعتبار الى الورق و لكن مع الاعتماد عليهما و مهما يكن الأمر، فإن المال لما كانت حقيقته تقوم على الاعتبار فكما اعتبروا الأجناس الخارجية مالا فكذلك اعتبروا ذمة الرجل العاقل

ص: 9

الرشيد مالا و لكن مع الالتزام و التعهد فإذا التزم لك الثقة الأمين بمال في ذمته وثقت به و جعلته كمال في يدك أو صندوقك و كذا العقلاء يعتبرون ان لك مالا عنده اما من لا عهدة له و لا ذمة كالسفيه و المجنون و الصغير بل و السفلة من الناس الذين لا قيمة لأنفسهم عندهم الذي يعدك و يخلف و يحدثك فيكذب، و يلتزم لك و لا يفي بالتزامه فهؤلاء لا ذمة لهم و لا شرف و التزامهم عند العقلاء هباء و لا يتكون من التزامهم عند العرف مال: فالمال إذاً نوعان خارجي عيني و هو النقود و العروض و اعتباري فرضي، و هو ما في الذمم اعني الالتزام و العهدة و الالتزام تأثيره لا ينحصر بالمال بل يتمطى و يتسع حتى يحتضن جميع العقود بل و كافة الإيقاعات: الا ترى ان البيع إذا صهره التمحيص لم تجد خلاصته الا تعهداً و التزاما بان يكون مالك للمشتري عوض ماله الذي التزم انه لك فيترتب على هذا الالتزام مبادلة في المالين بانتقال مال كل واحد إلى الآخر و بتحقق النقل و الانتقال كأثر لذلك الالتزام و هكذا الإجارة و الجعالة بل و الإيقاع كالعتق و الإبراء بل و النكاح و الطلاق كلها تعهدات و التزامات و إبرام و نقض و حل و عقد تبانى عقلاء البشر من جميع الأمم و العناصر على اتباعها و العمل بها كقوانين لازمة. و دساتير حاسمة. يسقط عن درجة الإنسانية من لا يلتزم بها في كل عرف و لغة ثم لما انبثق نور الإسلام بشريعته الغراء أكدت و أبدت تلك الوضعية الحكيمة و القاعدة القويمة و أقرت العرف على معاملاتهم و ألزمتهم بتعهداتهم و التزاماتهم بعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و نظائرها الا

ص: 10

ما ورد النهى عنه بالخصوص كبيع الربا و بيع الضرر و أمثاله. فإن أطلقت العقد لزمك الاحتفاظ بالتزامك أبداً و ان جعلت لك خياراً أو جعله الشارع لك جاز لك نقضه إذا شئت. و حيث عرفت ان العقود ليست سوى التزامات يستبين لك انها تحقيقاً ليست سوى نسب و إضافات ضرورة ان الالتزام معنى يتقوم بملتزم و ملتزم له و ملزم به مثلا البائع و المشتري و البيع أي المعاوضة و المبادلة و ما يقارب ذلك و مفاهيم هذه العناوين اعني بيع. معاوضة. مبادلة. أيضا معاني نسبية اضافية تتقوم بطرفين عوض و معوض ثمن و مثمن. و هذان هما الركنان في عقود المعاوضات لا البائع و المشتري بخلافه في عقود المناكحات فان الأركان هناك هو الزوج و الزوجة لا المهر و توابعه إذاً فاركان العقد في الأموال مطلقا ثلاثة- الصيغة الدالة على الالتزام بالمعاملة و العوضان و هما الثمن و المثمن و في الزواج- الصيغة. و الزواج. و الزوجة. و يعتبر في كل واحد من الأركان في المقامين شروط و أوصاف لو اختل واحد منها بطل العقد. اما لو اختل شرط في غير الأركان و كانت الأركان بشروطها حاصلة لم يبطل العقد و لكن يحدث فيه خيار تخلف الشرط. و ينقلب من اللزوم الى الجواز و يكشف ذلك عن وقوعه جائزاً. فالأصل في الالتزامات الزوم الا ان يجعل الشارع أو المتعاقدان أو أحدهما فيه حق الفسخ فيكون جائزاً بالعرض أو يكون بحسب أصل جعله عند العقلاء غير لازم و مبيناً على الجواز.

و أقصى مبالغ التحقيق ان المالك حين يخرج ماله عن ملكه تارة بقطع كل

ص: 11

علاقته منه و يجعل كل سلطته له على المال لغيره و اخرى يخرجه و يترك له ناحية من تلك السلطنة الواسعة و هي حق استرداده أو حق فسخ العقد الذي وقع عليه و يكون أثره رجوع المال الى مالكه الأول على اختلاف القولين أو الاحتمالين في حقيقة الفسخ، ثم ان بقاء هذه العلقة في المال تارة بجعله أو جعل الشارع كما عرفت و اخرى تكون من خصوصيات ذات العقد و ذلك كما في العقود الجائزة بطباعها كالهبة و العارية و الوديعة و أمثالها و أكثر ما يكون ذلك في العقود التبرعية فالهبة مثلا من طبيعتها الجواز الا ان يعرض عليها ما يوجب لزومها مثل كونها معوضة أو لذي رحم عكس البيع الذي من طبيعته اللزوم الا ان يعرض عليه ما يوجب جوازه و كذا العارية من طبعها الجواز و الرجوع بها متى شاء الا ان يلزمها الشرط كما ان من طبيعتها عدم الضمان الا ان تكون عارية ذهب أو فضة و هذه الخصوصيات و الكيفيات اعتبرها الشارع و قيد بها تلك العقود العرفية و ضبطها بتلك الحدود نظرا للمصالح العام حسب علمه و إحاطته في الحقوق المشتركة و النظام الأتم.

و نحن حيث نتكلم في أحكام العقود و المعاملات ننظرها من جهتين وجهتها العرفية و وجهتها الشرعية. فنأخذ بالاعتبارات العرفية بوجه عام ثم نعقبه بالنظر في الأدلة الشرعية و مالها من التصرف الخاص من منع بات أو اعتبار بعض القيود و الخصوصيات فنتبعه ان كان و الا فالعمومات تلزمنا بما عليه العرف العام في معاملاتهم و عسى أن يأتي شي ء من شواهد ذلك إن شاء اللّه

ص: 12

(الثالث) يعرف الفقه بأنه معرفة الاحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية: و هذا التعريف سواء كان سالما من النقد أو غير سالم فهو يعطى صوره إجمالية يتميز بها هذا العلم عن غيره من العلوم. و المراد بالمكلف هو البالغ العاقل القادر. و الأدلة هي القواعد الممهدة لتحصيل معرفة الحكم الإلهي الشرعي من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل و الأحكام الشرعية هي ما بلغه الرسول عن اللّٰه من القضايا المتعلقة باعمال المكلفين وضعا أو تكليفا. و الأحكام التكليفية هي الخمسة المشورة التي يجمعها الاقتضاء و التخيير و الحكم الوضعي هو السبب و الشرط و المقتضى و المانع و الصحة و الفساد و البطلان و العلة التامة و الاختلاف بين السبب و الشرط و بينه و بين المقتضى بالاعتبار و على كل فالأحكام الشرعية هي التي شرعها سبحانه على لسان رسوله الظاهري و الباطني لحفظ نظام الهيئة الاجتماعية للبشر و علاقتهم به جل شأنه أو علاقة بعضهم ببعض فهي إذاً لا تخلو اما ان تكون متعلقة بعمل يكون تمام الغرض منه صلة العبد بربه و نفسه. أو صلته بأبناء جنسه. (الأول) هو العبادات كالصلاة و أخواتها (و الثاني) ما يكون أهم الغرض منه ضبط النواميس و أهمها ثلاثة. النفوس. و الاعراض. و الأموال. فما تعلق بالمال من حيث كسبه و تحصيله لا يخلو اما ان يكون بقول أو عمل. و الأول اما ان يكون متقوما بطرفين أو بطرف واحد. و الأول و هو العقود اما ان يكون مقابلة مال بمال فهي عقود المعاوضات: و اما ان يكون المال من طرف واحد فهي عقود الارتفاق و المجانيات كالهبة و الصدقات و أمثالها. أما الذي

ص: 13

يتقوم بطرف واحد فهو الاسقاط و الإبراء و التعهدات الابتدائية. اما مالا يحتاج الى القول من أنواع الكسب فهو العمل و هو اما ان يكون اختيارياً أو قهرياً. فالأول كالحيازة و الاصطياد و احياء الموات و أمثالها (و الثاني) كالإرث و الوصية بناء على ما هو الأصح من عدم حاجتها الى القبول و منه الوقف على البطون بل و الزكوات و الأخماس و النذور فان جميع هذه الأنواع أسباب للملك القهري من غير قول و لا عمل و اما ما يتعلق بالاعراض فهو النكاح الذي شرع لحفظ النسل و تكوين الأسر و العائلات الذي به عمارة الدنيا و حفظ النوع البشري و يتبعه أنواع الفرقة و الطلاق و الظهار و نظائرها و اما ما يتعلق بالنفوس فقد يكون فك نفس كالعتق و أخواته و قد يكون تدارك نفس كالديات و القصاص و الحدود. و ما كانت كل هذه الوسائل يستدعي المعاشرة و المعاشرة قد تفضي إلى المعاشرة و هي تفضي إلى الخصومة لذلك جعل الشارع الحكومة و القضاء ليكون لها القول الفصل و القضاء الحاسم للخصومات فهذه جملة أبواب الفقه الذي يبحث فيه عن كل واحد من تلك العناوين و عن أحكامها و أدلتها و فروعها و قد جمعوها على الجملة في أربعة (عبادات) و هي ما يكون الغرض المهم منها الطاعة و الامتثال و النفع الآخروي و (معاملات) و هي ما يكون الغرض المهم منها المال و تتوقف على طرفين و (إيقاعات) و هي نسب و إضافات يكفي في تحقيقها طرف واحد و (احكام) و هي حدود و عقوبات و كل ذلك تقريبات يقصد منها الإشارة الإجمالية و بيان الوسائل

ص: 14

و الغايات و نقول في بيان أوسع و اجمع ان الملحوظ في الفقه هو النواميس المقدسة و الشارع المقدس بحكمته الواسعة شرع العبادات تنويراً للقلوب و تربية للأرواح. و تهذيباً للأخلاق، و أخذا بهذا النوع البشري من حضيض البهيمية الى كمال الإنسانية و الملكية، و ربط المعاملات بالعقود حفظا للوئام و ضبطاً للنظام.

و جعل القصاص و الديات احتفاظا بالنفوس، و بالجهاد و قتل المرتد حفظ الدين. و بتحريم المسكرات و حد شاربها حفظ العقل، و بتحريم الزنا و أخويه الخبيثين حفظ الأنساب و بتحريم الغصب و السرقة و قطع يد السارق حفظ الأموال و بتحريم الغيبة و البهتان و القذف و الحد عليه حفظ الاعراض، و بجعل منصب القضاء قطع التشاجر و الخصومات هذه فذلكة مهمات شريعة الدين الإسلامي و احكامه و فلسفة تشريعها و أنموذج إسرارها فهل تجد دينا أوسع و اجمع و ارصن و أتقن من هذا (الرابع) من الأمور، لن جميع مدارك الاحكام و أدلتها ترجع الى قواعد و قوانين عامة بها يستنبط الحكم من الكتاب و السنة و تابعيهما العقل و الإجماع. و الأدلة عندنا معشر الإمامية تنحصر بهذه الأربعة. اما غيرنا من فقهاء الإسلام فقد يدخلون الظن و القياس و الاستحسان مما ورد المنع الشديد في اخبار أئمتنا سلام اللّٰه عليهم عن الميل اليه فضلا عن الاعتماد عليه (و الغرض) ان العمدة في استخراج الحكم و استنباطه من الأدلة هي

ص: 15

تلك القواعد العامة و هي كثيرة ذكرت المجلة منها مائة مادة سيتضح لك فيما بعد تنقيح القول، و قد أفرد القواعد العامة بالتأليف جماعة من علمائنا الاعلام، و المطبوع المتداول منها (أربعة) (الأول) (عناوين) المير فتاح المراغي و هو نفيس في بابه جمع فيه كثيراً من القواعد الفقهية و الأصولية و أكثر من تقريرات درس أستاديه جدنا موسى بن جعفر كاشف الغطاء و أخيه علي بن جعفر (الثاني) [العوائد] لمعاصره الملا مهدي النراقي رحمه اللّٰه و هو دون الأول في الإتقان [الثالث] (تمهيد القواعد) للشهيد الثاني قدس سره (الرابع) (القواعد) للشهيد الأول رضوان اللّٰه عليه و هو أتقن الجميع، و على غزارة مادة هذه المؤلفات قد بقي كثير من القواعد العامة لم يتعرض لها و توجد جمهرتها في كتب الأصحاب متفرقة في أبواب الفقه، و على كل، فنحن نشرع بتوفيقه تعالى بذكر مواد المجلة و بيان ما عندنا من تفسير أو ملاحظة ثم نعقبها بذكر ما يحضرنا من القواعد العامة الكلية التي اعتمد عليها أصحابنا قدست أسرارهم جميعاً منها ما تيسر و حظر

ص: 16

ص: 17

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

[مائة مادّة]

(مادة 2) الأمور بمقاصدها

هذا مأخوذ من الحديث النبوي المشهور: إنما الأعمال بالنيات.

و لكل امرء ما نوى. و لكن مورد هذه الأحاديث في غير العقود و المعاملات من العبادات و العادات مثلا الإحسان إلى شخص ان كان النية و القصد منه التقرب إليه فالأجر عليه و ان كان القصد التقرب الى اللّٰه فاجره على اللّٰه و هو أول حديث في صحيح البخاري: إنما الأعمال بالنيات و ان لكل امرء ما نوى فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو الى امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه الى آخره، و الغرض من هذه الأحاديث بيان وجه القصد لا بيان اعتبار القصد و لزومه إذ هو ضروري من العقلاء و يستحيل صدور عمل من العاقل الغير الغافل بغير قصد

ص: 18

(مادة 3) العبرة في العقود للمقاصد و المعاني: لا للألفاظ و المباني.

اعتبار القصود في العقود مما لا شك فيه و لا ريب بمعنى ان العقد إذا خلى من قصد فهو لغو بل كل كلام كذلك و لكن اناطة المدار في العقد على القصد وحده دون اللفظ غير صحيح كيف و قد ورد في السنة الصحيحة (انما يحرم الكلام و يحرم الكلام) بل لا يتحقق العقد الا باللفظ الخاص و لكن مع القصد فالقاعدة الصحيحة هنا هي ما عبر عنها فقهاؤنا بقولهم: العقود تابعة للقصود يريدون ان كل معاملة كالبيع و الإجارة و الرهن لها ألفاظ تخصها بحسب الوضع و الشرع يعبر عنها بالعقد و لكنها لا تؤثر الأثر المطلوب من ذلك العقد الا بقصد معناه من لفظه فلو لم يقصده أو قصد معنى آخر كما أو قصد من البيع الإجارة أو من الإجارة البيع و لو مجازاً كان باطلا لا ان المدار على القصد وحده دون اللفظ كما في مادة المتن اما المثال الذي ذكره و سماه بيع الوفا و يسمى عند الإمامية بيع الخيار فهو عند فقهائنا أجمع بيع حقيقة و لا يجري عليه شي ء من احكام الرهن و سيأتي تحقيق ذلك في محله إن شاء اللّٰه

(مادة 4 و 5 و 6) هذه القواعد الثلاث كلها ترجع إلى أصل واحد و هي الاستصحاب

و وجوب إبقاء ما كان على ما كان المأخوذ من أحاديث لا تنقض اليقين بالشك و بناء العقلاء على عدم رفع اليد عن الأمر الذي كان متيقنا بعروض الشك فيه و يمكن ان يرجع إليها أيضا أصل براءة الذمة المذكورة في (المادة 8) بل و إليها يرجع أيضا ما في (المادة 9) بل و (المادة 10) بل و (11) فان مرجع الجميع الى

ص: 19

الاستصحاب و قوله: الأصل اضافة الحادث إلى أقرب أوقاته هي القاعدة المعروفة عندنا بأصالة تأخر الحادث مثلا إذا شككنا ان زيدا مات في هذه السنة فيرث أباه الذي قد مات في السنة التي قبلها أو مات قبل سنتين فلا يرث نحكم باستحقاقه الإرث لأصالة تأخر الحادث و مرجع ذلك الى الاستصحاب و عدم رفع اليد عن اليقين بالشك فيه لان اليقين لا ينقض الا بيقين مثله (و القصارى) ان المتن ذكر سبع مواد و كلها ترجع إلى قاعدة واحدة كان يجب الاكتفاء بها عن الجميع و لو لم تستند تلك المواد الى الاستصحاب المدلول على حجيته في علم الأصول بالعقل و النقل لم يكن وجه للاستناد إليها و الاعتماد عليها فذكر الاستصحاب يغني عن ذكرها

أما (المادة 7) الضرر لا يكون قديما

فيظهر انها كالتقييد أو التخصيص لما قبلها فإنه لما قال القديم على قدمه قال الا الضرر فإنه لا يترك و حينئذ تكون هذه المادة هي [مادة 20] الضرر يزال فإنها تعم الضرر القديم و الحادث (و مادة 31) الضرر يدفع بقدر الإمكان فهذه ثلاث مواد تغني عنها واحدة

أما [المادة 8] و هو أصل البراءة

فهو أصل أصيل مستقل و يبتني عليه كثير من الفروع الفقهية و هو و ان كان يتداخل مع الاستصحاب في كثير من موارده و لكن جهة النظر في كل واحد تختلف عن الآخر فان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل يقضي بلزوم الامتثال عند احتمال التكليف فيتجه البحث في ان قاعدة

ص: 20

قبح العقاب بلا بيان و أمثالها مما دل على البراءة عقلا و شرعا هل تقتضي الأمن من ضرر العقوبة أم لا في أبحاث ضافية مبسوطة في محلها من فن الأصول. أما ما ذكره في المتن من الإتلاف و الاختلاف في المقدار فاستصحاب براءة الذمة يغني عن أصل البراءة بل هو مقدم عليه كما حقق في محله و عند أهله

(مادة 12) الأصل في الكلام الحقيقة.

هذا الأصل ركن من أركان المباحث الأصولية و يعبرون عنه بأصالة الحقيقة تارة و أصالة عدم القرينة أخرى و إذا كانت في العام يعبر عنها بأصالة العموم و أصالة عدم التخصيص فإذا وردت كلمة في كلام و احتملنا ان المتكلم أراد غير معناها الحقيقي تجوزا و لا قرينة ظاهراً نقول انه أراد المعنى الحقيقي لأصالة الحقيقة و لو ادعى بعد ذلك أراد غيرها لم يقبل منه فلو اعترف مثلا انه قتل زيداً ثم قال أردت قتله الأدبي لم يسقط عنه القصاص أو الدية إلا أن تكون هناك قرينة حال أو مقال و الى هذه القاعدة تعود

(المادة 13) لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح

فان المعنى الصحيح الذي ينبغي ان تحمل هذه المادة عليه هو القاعد المعروفة عند الأصوليين من ان النص مقدم على الظاهر سواء كانت الدلالة من مقال كما في قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً مع قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ أو من حال كما لو وهبه عينا فان فيه دلالة على الاذن بالقبض لكن لو منعه عن القبض سقطت تلك الدلالة و مرجع كل ذلك الى بناء العقلاء على الأخذ بالظاهر و تقديم

ص: 21

الأظهر فالأظهر حتى ينتهي إلى النص الذي لا يحتمل فيه الخلاف فمن تكلم بكلام له ظهور بالوضع أو بالقرينة و ادعى ارادة خلافه لم يقبل منه بل يؤخذ بظاهر لفظه الذي هو الطريق العقلائي للكشف عن إرادته و قصده و الى ذلك يرجع

(المادة 14) لا مساغ للاجتهاد في مورد النص

فان مثل قوله ع البيعان بالخيار ما لم يفترقا ظاهر بل نص فيما ذهبت إليه الإمامية من ثبوت الخيار بعد الإيجاب و القبول حتى يتفرق المتبايعان و هو الذي يسمونه خيار المجلس و وافقهم الشافعية على ذلك فقول الحنفية ان المراد تفرقهما في الكلام فإذا فرغا من الكلام و تم الإيجاب و القبول فلا خيار و بذلك أنكروا خيار المجلس و هو كما ترى عين الاجتهاد في مقابلة النص و بالجملة فهذه القواعد الثلاث ترجع إلى قاعدة واحدة و هي تقديم النص على الظاهر و الأظهر على الظاهر

(مادة 15) ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه.

القياس بجميع أنواعه لا عبرة به عندنا معشر الإمامية أصلًا فلو ثبت عندنا بالدليل حكم لموضوع موافقا للقياس أم مخالفا فالحكم يقتصر به على موضوعه و لا يتعدى الى غيره سواء عرفت علة الحكم أو لم تعرف و سواء كانت ظنية أو قطعية نعم لو كانت العلة منصوصة كما لو قال حرمت الخمر لإسكارها أمكن عند بعضهم تسرية الحرمة الى غير الخمر من المسكرات و ان لم يسم خمراً اما من يقول بالعمل بالقياس و حجيته فلا ريب انه لو ثبت عندهم حكم في مورد على خلاف القياس لدليل فإنه يقتصر على

ص: 22

مورده و ما عداه يبقى على حكم القياس و نظير هذا عندنا ما لو ثبت حكم على خلاف القاعدة فإنه يقتصر فيه على دليله و يرجع في أمثاله إلى حكم القاعدة مثلا ثبوت الشفعة حكم مخالف لقاعدة السلطنة فيقتصر فيه على مورده و هو عدم تعدد الشركاء فلو تعددوا فلا شفعة و هكذا كثير من هذا القبيل

(مادة 16) الاجتهاد لا ينقض بمثله:

ينبغي ان يكون المراد بهذه القاعدة ان اجتهاد مجتهد لا ينقضه اجتهاد مجتهد آخر فلو ادّى اجتهاد مجتهد الى ثبوت الدعوى بشاهد مع يمين المدعي مطلقا أو في خصوص الأموال و حكم لشخص بمال على هذا الرأي و رفعت الدعوى لمجتهد آخر لا يرى ذلك فليس له نقض ذلك لأنه مخالف لاجتهاده اما غير المجتهدين فهم مخيرون في العمل بين الأخذ برأى هذا أو ذاك تخييراً في الحدوث أو الاستدامة على القولين اما المجتهد نفسه فلا إشكال انه إذا تبدل اجتهاده فإنه ينقض اجتهاده السابق باللاحق و لكن بالنسبة إلى الحوادث المتجددة اما الغابرة فإنها تمضي على اجتهاده الأول و لا ينقضها إلا إذا تبين عنده فساد اجتهاده الأول كما لو عثر على دليل قصر في الفحص عنه فأفتى بخلافه فإنه ينكشف في الحقيقة عدم الاجتهاد لإفساده فليتدبر و الخلاصة ان الاجتهاد قد ينقض بالاجتهاد و قد لا ينقض

(مادة 17) المشقة تجلب التيسير

هذه المادة هي عين المادة التي بعدها كلاهما يرجعان إلى قاعدة

ص: 23

في العسر و الحرج المدلول عليها بقوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ- مثل ان اللّٰه سبحانه أوجب في الوضوء غسل البشرة فإذا كان على بعض أعضاء الوضوء جبيرة يعسر نزعها جاز المسح على الجبيرة عوض غسل البشرة بقاعدة نفي العسر، و مثل قبول شهادة النساء في النسب و الولادة لأن الاقتصار على شهادة الرجال في أمثال ذلك يوجب العسر و الحرج، و قبول شهادة أهل الخبرة في بعض الموضوعات و ان لم يكونوا عدولا بل و لا مسلمين و ليس من هذا الباب أصلا القرض و الحوالة و الحجر، نعم لعل حكمة تشريع بعضها كالقرض و الحوالة هو التسهيل و رفع العسر و الحرج فما ذكره في المتن و زاده بعض الشراح من الأمثلة كلها خارجة عن القاعدة كما يظهر بأدنى تدبر

(مادة 19) لا ضرر و لا ضرار.

هذه من القواعد المحكمة و الأساسية في شريعة الإسلام و هي نظير أختها قاعدة رفع الحرج حيث ان الحكمة منهما معا هو التسهيل على العباد في التشريع ليصح قوله (ع) جئتكم بالشريعة السهلة البيضاء و قد ذكروا ان هذه الكلمة من جوامع الكلم و هي إحدى معجزات بلاغته صلوات اللّٰه عليه و قد أفرد لشرحها جماعة من اعلام علمائنا رسائل خاصة بها و موجز القول فيها انها دلت على حرمة الضرر، و حرمة مقابلة الضرر بالضرر، و وجوب تدارك الضرر، تقول مثلًا لا تضر غيرك بإتلاف ماله، و لا تقابله بالضرر لو أتلف مالك، و لكن يجب عليه تدارك

ص: 24

الضرر، و دلت على معنى أوسع و أعظم بركة و نفعاً من ذلك و هو ان كل حكم في الشرع وضعي أو تكليفي يوجب ضرراً على الشخص أو النوع فهو مرفوع في الإسلام مثلا الوضوء واجب للصلاة و لكن إذا استلزم الوضوء ضررا على شخص لمرض و غيره فهو مرفوع و هكذا إذا كان لزوم البيع مع وجود العيب في الثمن يستلزم ضرراً على النوع فلزومه مرفوع و يكون العقد جائزاً و خيارياً و لعل منها الخيار إذا ظهر العيب فيما انتقل اليه و قد ظهر لك مما ذكرنا ان مادة 20 ترجع إليها بل هي إحدى مداليلها و فوائدها مثلا قاعدة السلطنة تقتضي ان له ان يبني تنوراً في سطح داره و لكن إذا كان ذلك يوجب ضرراً على جاره فالضرر يزال بقاعدة لا ضرر في الإسلام و كذا لو سد عليه منافذ الهواء و النور، و منه جبر المديون على دفع دينه و إذا امتنع فللحاكم ان يبيع بعض أمواله لأداء دينه و كثير من الفروع في الفقه تبتني على هذه القاعدة و علم أيضاً ان مادة (25 الضرر لا يزال بمثله) من مدلولات هذه القاعدة أيضاً أعني قاعدة لا ضرر و هي الأصل و الدعامة و هذه القواعد متفرعة و مبتنية عليها و لا وجه لعدها قواعد في عدادها فلا يجوز قسمة الطاحونة إذا كان في الشركة ضرر على أحد الشركاء و كان في القسمة ضرر على الآخر لان الضرر كما قدمنا لا يدفع بالضرر و كذا لا يجوز رد المعيب السابق بعد حدوث عيب آخر عند المشتري و رعاية المشتري ليس بأولى من رعاية البائع و الجميع يرجع الى الأصل (قاعدة الضرر) و انه لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر فتدبر و لعل إليها

ص: 25

يرجع أيضاً

(مادة 21) الضرورات تبيح المحذورات

المستفادة من أمثال قوله ع ما من شي ء حرمه اللّٰه الا و قد أحله لمن اضطر اليه و الأصل فيه قوله تعالى إِلّٰا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ و فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ فإذا كان بقاء حرمه مال الغير أو حرمة أكل الميتة فيه ضرر من تلف نفس محترمة أو حيوان يموت من الجوع أو العطش فإن الحرمة ترتفع و يجوز تناول طعام الغير أو الميتة أو شرب ماء الغير بغير اذنه غايته انه يجب الضمان و كل ذلك من لوازم رفع كل ما يوجب الضرر كما عرفت، و إليها يرجع أيضا

(مادة 22) الضرورة تقدر بقدرها

و ضابط الضرورات المبيحة هي كلما يتوقف عليه حفظ نفس محترمة أو مال محترم هو أكثر من المال المتناول بما يعتد به عرفا و ان لم يضر بحاله إلى قاعدة الضرر يرجع أيضا (مادة 31) الضرر يدفع بقدر الإمكان بل و (مادة 32 و 33)

[و مادة 23) ما جاز بعذر بطل بزواله

هذه المادة لا ترجع عندنا إلى أصل تعتمد عليه و تستند اليه الا قضية ان الحكم تابع لموضوعه أو ان الضرورة تقدر بقدرها فإذا حكمنا بقبول إشارة الأخرس ثم زال خرسه زال الحكم و هو قبول إشارة الأخرس لزوال الموضوع و هو الأخرس و هكذا إذا حدث عيب في المبيع قبل القبض و كان للمشتري خيار ثم ارتفع العيب و اقبضه صحيحا فإنه يزول خياره بزوال سببه على الأصح و الخلاصة ان هذه المادة ليست متاصلة و لا بد من رجوعها إلى إحدى القواعد المتقدمة أو الآتية بل و مثلها ما في (مادة 24) إذا زال المانع بطل الممنوع، مثلا إذا كان

ص: 26

المرض مانعا من الوضوء فإذا زال المرض عاد الممنوع و هو وجوب الوضوء و إذا كان العيب الحادث عند المشتري مانعاً من الرد بالعيب القديم فإذا زال العيب الحادث و بقي القديم عاد الممنوع و هو جواز الرد بالعيب القديم و كل هذا راجع الى قضية الموضوع و الحكم أو ان الضرورة تقدر بقدرها على اختلاف الاعتبارات فأحسن التدبر

(مادة 26) يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام

و هي عين مادة 27 الضرر الأشد يزال بالأخف و كلاهما من فروع قاعدة نفي الضرر العامة فإن مقتضى نفي طبيعة الضرر على الإطلاق ان يدفع الأكثر بالأقل و الأشد بالأخف عند الدوران لأن الزائد ضرر يجب دفعه كما انها عين (مادة 28) إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما و كذا (مادة 29) يختار أهون الشرين، فهذه المواد الأربع مع الست يكون عشرة مواد مرجعها أجمع إلى قاعدة الضرر اما قوله في المتن يتفرع عن هذا (اي عن (مادة 26) يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) منع الطبيب الجاهل فهو وهم لأن هذا المثال ليس من أمثلة الضرر فان منع الطبيب الجاهل أو العالم تفويت نفع لا احداث ضرر و المثال الصحيح لتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام هو ما لو كان في دار إنسان شجرة امتدت أغصانها إلى الشارع و أضرت بالمارة فإن قلعها أو قطع أغصانها المثمرة مثلا و ان كان ضرراً على مالكها و لكنه ضرر خاص يلزم تحمله لدفع الضرر العام و هكذا الجدار المائل للانهدام فإنه يلزم على أولياء

ص: 27

الأمر هدمه رعاية بالمارة و دفعا للضرر العام و هكذا كثير من أمثالها كما انه لو تعارض ضرر أحد الجارين مع الآخر فإنه يقدم الأخف أو لزم إضرار شخص أحد الضررين فإنه يراعي الأخف فالاخف و الاهوى فالأهون كما تشير إليه قضية سفينة و المساكين في القرآن المجيد و اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر

(مادة 30) درء المفاسد اولى من جلب المنافع

هذه نظير القاعدة المشهورة عند الأصوليين من الإمامية و هي ان دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة و لكنها ممنوعة على إطلاقها إذ ربما يدور الأمر بين مفسدة حقيرة و منفعة كبيرة يكون إحرازها أهم من الوقوع في تلك المضرة و من هذا القبيل الكذب لإصلاح ذات البين أو استخلاص المال المباح من الظالم و ليس من هذا القبيل إنكار الوديعة إذا خاف عليها من ظالم أو الكذب لنجاة مؤمن كما توهم بعض الشراح فإنه من قبيل تعارض المفسدتين و تقديم الأخف منهما و علم مما ذكرنا انه في مقام دوران الأمر بين دفع المفسدة أو جلب المنفعة لا يمكن الحكم بقول مطلق بتقديم إحداهما على الأخرى بل لا بد من النظر في الأهم منهما في المورد الخاص و القضية الشخصية

(مادة 32) الحاجة تنزل منزلة الضرورة إلخ

هذه القاعدة لا تصح على أصول مذهب الإمامية فإن قاعدة نفي الضرر و ان كانت ترفع الأحكام الواقعية مثل وجوب الغسل و الوضوء و الصوم و سلطنة الناس على أموالهم و لكنها لا تشرع حكما و لا تجعل الباطل صحيحا

ص: 28

و انما ترفع الحرمة التكليفية بالضرورة اي العقوبة فقط لا سائر الآثار فلو كان بعض البيوع باطلا و حراما كالربا فالضرورة لا تجعله عقداً صحيحا كسائر البيوع و ان أحلته لمن اضطر اليه فلو ارتفعت الضرورة وجب رد كل مال الى صاحبه مع الإمكان و ما ذكره في المتن من بيع الوفاء ان كان في حد نفسه مع قطع النظر عن الضرورة باطلا كما ينسب إلى الحنفية حيث يعتبرونه كرهن فالضرورة لا تشرع صحته غايته انها تجوز استعماله للمضطر اليه كما يجوز الربا للمضطر، و كثرة الديون و مسيس الحاجة لا تقلب الفاسد صحيحا، و لا تجعل الباطل حقا: و لا تضع حكما عاما كيف و الضرورات تقدر بقدرها كما تقدم، و ان كان في حد ذاته مشروعا كما هو الحق عندنا معشر الإمامية و يسميه الفقهاء بيع شرط الخيار أو بيع الخيار فهو أجنبي عن المقام و الحق انه بيع صحيح كسائر البيوع الخيارية و دليله عموم المؤمنون عند شروطهم و الشرط جائز بين المسلمين الا ما أحل حراما أو حرم حلالا اما ما ذكره بعض الشراح و أطال فيه الكلام بما خلاصته ان غير المنصوص بل المنصوص على عدم مشروعيته و حظره من وسائل الحياة يجوز سلوك الطريق المنصوص على حظره عند الحاجة إليها ثم ذكر لذلك أمثلة كثيرة حتى جوز الربا و الإدانة بالربح للذود عن الحوزة مع نص القرآن بحرمته و بطلانه و كان هذا الباب مفتوح على مصراعيه عند فقهاء المذاهب الأربعة المشهورة و يسمونه باب (المصالح المرسلة) اما عند فقهائنا الإمامية فهذا الباب موصد بكل ما يتسع له المجال من الأقفال و عندنا ان حلال محمد (ص)

ص: 29

حلال الى يوم القيامة و حرامه حرام الى يوم القيامة و لا اجتهاد في موارد النص و الضرورات لا تغير الأحكام أصلا و انما ترفع عقوبة الحرام فقط و ملاك الفرق بين الفريقين ان من أصول الإمامية انه ما من واقعة الا و للّه سبحانه فيها حكم و ان جميع الحوادث الى يوم القيامة قد بين صاحب الشرع أحكامها أما بالخصوص أو العموم و كل حادثة تحدث فان وجدنا فيها نصاً خاصا عملنا به والا استخرجنا حكمها من القواعد العامة المستفادة أيضا من الكتاب و السنة أو الإجماع و لا يجوز عندنا العمل بالقياس و الاستحسان و الترجيحات الظنية و المناسبات الوقتية بل لا نستخرج حكم الوقائع الا من كتاب اللّٰه و سنة نبيه عموما أو خصوصا و لا يوجد في فقهنا شي ء مما يسمى بالمصالح المرسلة أو القياس أو الاستحسان و ليس هذا حجرا و تضيقا في الشريعة السمحة السهلة فإن باب الاجتهاد مفتوح و لكنه في دائرة محدودة لا يتناول المنصوصات و المسلمات انها من ضروريات شريعة الإسلام كحرمة الربا و الخمر و الميسر (القمار) و أمثالها نعم قد نبيح للمريض شرب الخمر إذا توقف علاجه عليه و لكن لا تجعله حكما عاما في بلد أو زمن أو نحو ذلك من المصالح الزمنية و من الغريب استشهاد المجلة بقضية أهل بخارى و حاجتهم الى بيع الوفاء الذي يدعي بعض الشراح انه منصوص على عدم جوازه و هو و هم غريب و على فرضه فكان يمكن لأهل بخارى رفع حاجتهم ببيع بعض أملاكهم بيعا قطعيا لإنقاذ القسم الباقي منها و لا يحللون ما حرم اللّٰه أو يؤجرونها مدة تفي بديونهم و الحاصل ان الحاجة المزبورة ما كان رفعها منحصرا بذلك الطريق المستلزم لتحليل ما حرم

ص: 30

اللّٰه بحيث تكون القضية من قبيل (قال اللّٰه و أقول) و ما لم تكن الضرورة منحصرة لا ترفع الحرمة قطعا فتدبر جيدا هذا المقام فإنه من مزال الاقدام أو الأقلام

(مادة 33) الاضطرار لا يبطل إلخ

قد سبق ان هذه المادة هي من بعض فروع قاعدة نفي الضرر التي يستفاد منها حرمة الضرر و وجوب تداركه و حرمة مقابلة الضرر فالاضطرار إلى أكل طعام الغير الذي هو إضرار به يلزم تداركه بضمانه لصاحبه بالمثل أو القيمة و الضرورة إنما رفعت العقوبة و لم ترفع الضمان و لا سائر الآثار

(مادة 34) ما حرم أخذه حرم إعطاؤه

هذه القضية عقلية قطعية في الجملة فإن الضرورة تقضى بان ما حرم أخذه حرمت جميع التصرفات و منها إعطاؤه و لكن ذاك حيث تكون الحرمة ثابتة حدوثا و استدامة اما لو كانت حدوثا فقط كما لو قلنا بان الموات من من أراضي الخراج لا يجوز أخذه و حيازته إلا بإذن الإمام فلو حاز أحد المسلمين أرضا مواتا و أحياها بدون اذن الامام فإنه يملكها بالاحياء لعموم من أحيا أرضا ميتة فهي له و ان فعل حراما في أخذها بدون اذنه و هكذا غنائم دار الحرب و مثلها في القطع و الضرورة.

(مادة 35) ما حرم فعله حرم طلبه

و هذا مطرد في كل حرام ذاتي كالزنا و شرب الخمر و الغصب و نحوها اما الحرام العرضي كما لو حلف أو نذر ان لا يكتب أولا بخيط و ما أشبه

ص: 31

ذلك فإنه يحرم فعله و لا يحرم طلبه بل و كذا في بعض المحرمات الذاتية مثل الصلاة على الحائض فإنها يحرم فعلها و لا يحرم طلبها و مثل بعض محرمات الإحرام بل أكثرها فإنها يحرم فعلها و لا يحرم طلبها.

(مادة 36) العادة محكمة

يعني ان العادة عامة أو خاصة تجعل حكما لإثبات حكم شرعي أي تجعل طريقا لإثبات حكم شرعي و هذا أيضا مبني على الأصل المقرر عندهم من عدم النص و فقد الدليل الشرعي على حكم جملة من الحوادث خلافا لما ذهبت إليه الإمامية من عدم خلو واقعة من الدليل على حكمها بالعموم أو الخصوص و على فرض خلو واقعة من النص فإن العادة عند الإمامية لا يعتبر بها و لا تصلح لإثبات حكم شرعي و الحديث الذي ربما يتمسك به لذلك من قوله (ع) ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن على فرض صحته لا يدل على حجية العادة و اعتبارها دليلا شرعيا لإثبات حكم شرعي و ليس كل حسن عند الناس حسنا واقعا أو شرعا و ان حسن العمل به مداراة و مجاملة مع أبناء جنسه أو أبناء وطنه و العادة التي هي عبارة عن تكرار العمل عند طائفة أو أمة من العقلاء ليس لها أي علاقة بالشرع لتكون دليلا على حكم من احكامه و ان لم يكن فيه نص فلو كان أكل لحم الأرنب أو شرب النبيذ مثلا لم يرد فيه نص و كان عادة طائفة من المسلمين كأهل البادية مثلا على اكله فهل يمكن ان نستدل بعادتهم على حليته كلا نعم يمكن ان تكون العادة قرينة ينصرف إليها الإطلاق في مقام المعاملات و الاستعمالات فيحمل عليها كلام المتعاقدين

ص: 32

لتعيين الموضوع لا الحكم مثلا لو كان من عادة بلد ان الحمال يحمل المتاع الى باب الدار فاستوجر حمال فلا حق للمستأجر بمطالبته بإدخال المتاع الى داخل الدار و لو انعكس الأمر كان له المطالبة و ان لم يشترط ذلك في العقد فالعادة قرينة تقوم مقام اللفظ في تعيين المراد و لعل الى هذا يرجع أيضا قضية العرف العام و العرف الخاص و ان كلام المتكلم يحمل على عرفه العام أو العرف الخاص و انه لو تعارض العرف العام و الخاص فأيهما المقدم الى كثير من المباحث المحررة عند الأصوليين مما لا طائل فيه فان الاستعمالات الشخصية تختلف حسب اختلاف الموارد و ليس هناك قاعدة كلية مطردة بتقديم أحدهما على الآخر بل اللازم النظر في كل مورد وقع الشك فيه يرجع الى الأصول اللفظية المقررة في تعيين المراد فان تعارضت فإلى الأصول الحكمية من البراءة و الاستصحاب و على كل فلو جعلنا العادة من الأصول المتبعة التي يستنبط منها حكم أو موضوع فإليها يرجع مادة (37) استعمال الناس حجة و مادة (40) الحقيقة تترك بدلالة العادة و مادة (41) انما تعتبر العادة إذا أطردت أو غلبت بل هذه المادة ساقطة من أصلها فإن العادة إذا لم تطرد فلا يصدق عليها اسم العادة و مثلها مادة (42) العبرة للغالب الشائع و هذا نظير ما يوجد في كلمات بعض الأصوليين من ان الظن يلحق الشي ء بالأعم الأغلب اي الغلبة توجب الظن بان الفرد المشكوك يلحقه حكم الغالب الشائع و يأتي هذا تارة في الأقوال و اخرى في الافعال و الأحوال فلو كان غالب علماء البلد الفقهاء و وقف شخص عقاره على العلماء و شككنا بان النحوي داخل في

ص: 33

الوقف لانه من العلماء فالغلبة توجب حمل كلامه على الفقهاء و خروج النحوي و هذا يرجع الى ما سبق من ان الغلبة تكون قرينة على حمل المطلق على أشيع افراده و هو نظير المجاز المشهور حيث تكون الشهرة قرينة حالية كما ان الشيوع و الغلبة كذلك و لو كان الغالب في معاملات شخص الفساد فلو صدرت منه معاملة نشك فيها حملناها على الفساد و ان كان قاعدة حمل فعل المسلم تقتضي حمله على الصحيح و لكن الغلبة الشخصية حاكمة على الغلبة النوعية و حيث ان الغالب على البشر لا يعمرون أكثر من تسعين فلو غاب شخص و انقطعت اخباره و لم يعلم حياته و موته و قد تجاوز التسعين نحكم بموته بحكم الغلبة هذا على مشرب القوم اما عندنا معشر الإمامية فلا أثر للغلبة إلا حيث تكون قرينة و تعد من الظواهر التي لا ريب في حجيتها لبناء العقلاء كما قرر في محله من الأصول و اما الغلبة في المثال الثاني فلا اثر لها بل المرجع في مثله أصالة الصحة المستندة إلى وجوب حمل فعل المسلم على الصحيح مطلقا و في المثال الثالث المرجع الى استصحاب حياته حتى يحصل اليقين و القطع بموته و لو الى مأتي سنة غايته ان الغالب حصول اليقين مع طول المدة و انقطاع اخباره بموته اما لو لم يحصل اليقين فلا معول على الغلبة و مما ذكرنا يظهر الكلام في مادة (43) المعروف عرفا كالمشروط شرط فان مرجعها الى ان الغلبة و المعروفية توجب حمل اللفظ المطلق على المقيد و تكون الغلبة قرينة حالية على القيد أو الإطلاق فهذه المادة أيضا مستدركة و مثلها أيضا مادة (44) المعروف بين التجار و مادة (45) التعيين بالعرف كالتعيين بالنص فان ملاك جميع المواد إلى

ص: 34

قاعدة واحدة و هي ان القرينة الحالية كالقرينة المقالية يجب اتباعها و الغلبة و العرف الخاص أو العام من أقوى القرائن على توجيه الكلام فلا داعي لتكثير المواد و تضييع الحقيقة مادة (38) الممتنع عادة كالممتنع حقيقة فلو استاجره على وزن البحر أو كيل الفرات، أو إمساك الريح أو قطع المطر كانت الإجارة باطلة فإن تلك الأمور و ان لم تكن ممتنعة عقلا و لكنها ممتنعة عادة و القدرة على العمل شرط ركني في الإجارة كالقدرة على التسليم في البيع،

(مادة 39) لا ينكر تغيير الاحكام بتغيير الأزمان

قد عرفت ان من أصول مذهب الإمامية عدم تغيير الاحكام الا بتغيير الموضوعات اما بالزمان و المكان و الأشخاص فلا يتغير الحكم و دين اللّٰه واحد في حق الجميع لا تجد لسنة اللّٰه تبديلا و حلال محمد حلال الى يوم القيامة و حرامه كذلك نعم يختلف الحكم في حق الشخص الواحد باختلاف حالاته من بلوغ و رشد و حضر و سفر و فقر و غنى و ما الى ذلك من الحالات المختلفة و كلها ترجع الى تغير الموضوع فيتغير الحكم فتدبر، لا يشتبه عليك الأمر.

«مادة 40» الحقيقة تترك بدلالة العادة

هذه المادة أيضا مستدركة فإنها ترجع إلى الأخذ بالقرينة الصارفة عن الحقيقة فالعادة ان كانت قرينة في المورد الخاص من موارد الاستعمال وجب رفع اليد بها عن الحقيقة و الا فأصالة الحقيقة هي المحكمة و لا عبرة بالعادة ما لم يعلم استناد المتكلم إليها:

ص: 35

(مادة 46) إذا تعارض المانع و المقتضي يقدم المانع

هذه المادة ضرورية بل لا حاجة الى ذكرها لوضوحها فان المانع هو عبارة عن الشي ء الذي يمنع المقتضي من التأثير بل لا معنى للمعارضة بين المقتضي و المانع نعم قد يتزاحم الشيئان في التأثير فأيهما ترجح كان هو المانع للآخر

(مادة 47) التابع تابع إلخ

هذه المادة مخالفة لما عليه أكثر فقهائنا الإمامية من ان الحمل لا يتبع الحامل و حجتهم في ذلك ظاهرة و قوية فإن الحامل يعتبر ظرفا للحمل فهي كالمال و الجواهر في الصندوق فإذا باع الصندوق مالكه فهل يحتمل أحد دخول الجواهر و المتاع في البيع ما لم يصرح و كذلك النخل و الشجرة فإذا باع النخلة و عليها ثمرها فان كان قبل بدو الصلاح اعتبر الطلع الذي عليها كجزء من اجزائها كالسعف و الكرب و ان كان بعد بدو الصلاح و صيرورته بسراً و رطباً فهو مستقل و قد باع نخلا و لم يبع رطبا و ثمراً و بالجملة فالعرف نوعا يعتبر الحامل و المحمول كالظرف و المظروف كل واحد منهما له وجود مستقل عن الآخر فإن ظهرت قرينة أو كان عرف البلد الخاص على دخول أحدهما في الآخر فهو و الا فالبيع يختص بما وقع التصريح بأنه هو المبيع لا غير و من هنا ظهر وجه البحث في

[مادة] (48) التابع لا يفرد في الحكم

، فالجنين الذي في بطن الحيوان لا يباع منفرداً عن امه فان الجنين بعد ان كان في نظر العرف تابعاً و هو كذلك واقعاً و عقلا و له وجود مستقل و بطن الحامل ظرف له فما المانع من انفراده بالبيع و وقوع القصد و العقد عليه بخصوصه و هذا واضح جلي حيث لا جهالة

ص: 36

مادة (49) من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته،

هذه المادة لا تصلح ان تكون مادة مستقلة و لا عامة كلية مطردة بل يختلف الحال باختلاف المقامات و عرف كل بلاد بحسبه فان السرج و اللجام مثلا من ضرورات الفرس و قد يتعارف في بلاد ان ملكية الفرس لا تقتضي ملك اللجام بل يكون عارية أو إجارة أو غير ذلك نعم اليد على الفرس يد على لجامها و سرجها و اليد ظاهرة في الملكية و هذه الجهة غير الجهة الملحوظة بالمادة أما المثال الذي ذكره بعض شراح المجلة من ان مالك العقار يملك الطريق الموصل اليه فهو ضعيف ضرورة ان الطريق ان كان عاماً فصاحب العقار يملك العبور فيه كسائر الناس و لا يملك نفس الطريق و ان كان خاصا و هو الطرق المرفوعة فلها أحكامها فإن كان فيها دور متعددة فهي مشتركة بينهم على الإشاعة و المتأخر يشارك المتقدم دون العكس و ان اختصت بواحد فهي له كالحريم التابع للدار و البئر على ما هو مفصل في محله:

(مادة 50) إذا سقط الأصل سقط الفرع

لعل المراد بالأصل مثل الدين و الفرع هو الكفالة فإذا سقط الدين بإبراء و نحوه تسقط الكفالة أو مثل الطاعة و التمكين من الزوجة الذي يتفرع عليه وجوب النفقة فإذا سقطت الطاعة بالنشوز سقط الفرع و هو النفقة و ليست هي قاعدة مطردة بل تختلف الموارد و المتبع هو الدليل في كل مورد بخصوصه.

[مادة 51] الساقط لا يعود كما ان المعدوم لا يعود،

لعل الملحوظة بهذه القاعدة قضية الحقوق الساقطة مثلا إذا سقط الشارع الحق بسبب أو من له الحق أسقط حقه فإنه لا يعود فلو أسقط الشارع حق النفقة بسبب النشوز أو حق

ص: 37

المضاجعة فلو عادت المرأة إلى الطاعة لم يعد ذلك الحق الساقط بالنسبة الى ما مضى من الزمان و كذا لو أسقط الدائن دينه اي أبرأ ذمة المديون فإنه لا يعود حتى لو رضي المديون بعوده أو لم يرض من أول الأمر بسقوطه خلافاً لما توهمه بعض شراح [المجلة] من كون السقوط مشروطا برضا المديون فإنه و هم واضح الضعف ضرورة ان الحق له مستقلا و لا علاقة للمديون بثبوته و سقوطه و مهما يكن فان الحق إذا سقط لا يعود الا بسبب جديد كما ان المعدوم من الأجسام المادية لا يعود فإذا عدمت الشجرة المعينة مثلا فإنه يستحيل عودها بذاتها نعم قد يعود وجود آخر مثلها في أكثر خصوصياتها لا في جميعها ضرورة ان الزمان من جملة الخصوصيات و المشخصات و هو لا يعود قطعاً و بالجملة فالعائد وجود ثان مثل الأول لا عينه و من هنا كانت هذه القضية من أقوى الشبهات في قضية المعاد الجسماني و أعضل التفصي منها على فلاسفة الإسلام و البحث فيها موكول الى محلة.

و الخلاصة: ان الحقوق في الشرع على أقسام قسم منها ما يقبل الاسقاط كما يقبل الصلح عليه اي يصح انتقاله من صاحبه الى غيره.

و قسم يقبل الأول دون الثاني و قسم لا يقبل الاسقاط و لا الانتقال فيكون نظير الحكم الذي لا يسقط و لا ينتقل و الفرق بينهما يشكل و يحتاج الى لطف بيان و دقة نظر.

اما الأول فمثل حق الخيار و حق التحجير و حق القصاص على الأشبه و اما الثاني فمثل حق الشفعة فإنه يقبل الاسقاط و لا يقبل الانتقال إلى الأجنبي.

ص: 38

و اما الثالث فمثل حق الجلوس في المساجد و المعابد و العبور في الشوارع العامة و نحوها فإنه لا يقبل الاسقاط و لا الانتقال و قد يشتبه هذا بكونه حكما لاحقا فهو كحق الرجوع في الهبة الذي لا يقبل انتقالا و لا إسقاطاً.

أما العكس، و هو قبول الانتقال دون الاسقاط فيشكل تحققه إذ كلما جاز نقله جاز إسقاطه نعم قد يتصور في بعض الفروض نادراً مثل حق الولي بالتصرف بمال القصير فإنه قد يقال بصحة نقله إلى ثقة آخر و لا يصح إسقاطه و هو محل نظر و قد خبط بعض الشراح هنا خبطا كثيراً و على كل فالقاعدة غير عامة فان بعض الساقط في الشرعيات قد يعود مثل حق الخيار بالبيع حيث يسقط بالعيب الحادث عند المشتري فإذا زال عاد الخيار فليتأمل.

(مادة: 52) إذا بطل الشي ء بطل ما في ضمنه

و هذه المادة ترجع إلى مادة (50) إذا سقط الأصل سقط الفرع و ينبغي ان يكون المراد بها ان الشي ء إذا فسد فسد ما يبتنى عليه فإذا بطل البيع بطل ما في ضمنه من الإقباض و القبض و استحقاق المشتري لمنافع المبيع و البائع منافع الثمن و هكذا و الأمثلة كثيرة و لا حاجة الى تمثيل بعض الشراح بمن باع دمه حيث قال (لو قال رجل لآخر اقتلني فدمي حلال لك فقتله يجب على القاتل الدية لا القصاص و إذا قال اقتلني بعتك دمي بكذا فقتله يجب على القاتل الدية و القصاص لان البيع باطل و الاذن بالقتل الواقع في ضمنه باطل أيضا انتهى).

و كل هذا لا نعرف له وجها صحيحا بل يجب القصاص في المقامين

ص: 39

و لا تجب الدية في المقامين و البيع باطل مطلقا فان الحر لا يباع و العبد لا يملك نفسه حتى يبيعها و الاذن في حد نفسه باطل لا لبطلان البيع و ليس المقام من موارد الشبهة التي تدرأ بها الحدود و تنتقل إلى الدية بل الآمر يحبس مؤبداً و المباشر يقتل هذا هو الحكم في هذا الموضوع عند فقهائنا الإمامية و مستنده الأخبار المروية عن الأئمة سلام اللّٰه عليهم.

(مادة 53) إذا بطل الأصل يصار الى البدل

يعني إذا كان الأصل موجودا لم يجز العدول عنه الى البدل فإذا كان المشتري قد قبض المبيع و ظهر البيع فاسداً وجب رد عين المبيع لا بدله و هكذا المغضوب. نعم لو تلف المبيع أو المغضوب تعين الرجوع الى البدل المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

(مادة 54) يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها-: أو في المتبوع.

هذه المادة يعبر عنها تارة بهذا اللفظ و اخرى بلفظ (يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل) و يستعملها فقهاؤنا في جملة موارد منها، توابع المبيع. كالعبد المبيع فإنه يتبعه ثياب بدنه و خاتمه و غير ذلك و الجهالة في العبد لا تغتفر و تغتفر في توابعه و هكذا في الوقف فإنه لا يجوز الوقف على المعدوم و لكن يجوز تبعا للموجود.

(مادة: 55، و مادة 56:) البقاء أسهل من الابتداء، يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء

هذه المادة و ان كانت عقلية ضرورية سواء قلنا باستغناء الباقي على

ص: 40

المؤثر أو قلنا بأن حاجة الممكن الى العلة و المؤثر حدوثه لا إمكانه و ان كان الأصح ان سبب حاجته إمكانه و مهما يكن الأمر فإن هذه القضية في الكونيات مسلمة عقلا و عرفا أما في الشرعيات فلا اثر لها عندنا أصلا الا ان ترجع الى الاستصحاب و لزوم إبقاء ما كان على ما كان و عدم نقض اليقين بالشك مما ثبت بالأدلة الشرعية القطعية نعم قد يكون لها اثر عند أهل القوانين المدنية و يعنون ان واضع القانون قد يتساهل في الشروط بالنسبة إلى البقاء بما لا يتساهل به في الابتداء و ما ذكره بعض الشراح من الأمثلة لهاتين المادتين كلها مدخولة و محل نظر و مناقشة.

(مادة: 57) لا يتم التبرع الا بالقبض

هذه القاعدة تكاد تكون إجماعية عند فقهاء الإمامية و لا تختص بالهبة بل تعم جميع العقود المجانية كالصدقات بأنواعها حتى الوقف و أخواته كالسكنى و العمرى و الرقبى و هو عندهم شرط في الصحة لا في اللزوم فلو وهب عينا فلا اثر لهبته ما لم يقبض و يكون العقد بدون القبض لغواً و هكذا الصدقة المطلقة و الوقف و أخواته نعم يستثنى من العقود التبرعية خصوص الوصية فإنها و ان كانت مجانية و لا يلزم فيها القبض فتحصل الملكية المعلقة على الموت بمجرد العقد و لكنها جائزة و له الرجوع و تلزم بالموت.

(مادة: 58) التصرف على الرعية منوط بالمصلحة

هذه المادة إنما تأتي على أصول الفقهاء الأربعة و أمثالهم اما على أصول

ص: 41

الإمامية فلا محل لها لان التصرف بالرعية انما هو حق إلهي للإمام العادل أو من ينصبه الامام و الامام العادل بالطبع لا يتصرف الا بما فيه المصلحة للأمة اما منصوبه فأمره راجع اليه و لو تصرف خلاف المصلحة كان هو الرقيب عليه و المؤدب له نعم المسئولية العامة ثابتة على كل أحد في كل تصرف حتى تصرف الإنسان في نفسه و عائلته و إليها النظر بقوله (ع) (كلكم راع و كلكم مسئول) و هو غير الملحوظ بالمادة المبحوث عنها و كان لهذه المادة اثر مهم في الأزمنة القديمة يوم كانت ارادة السلطان هي النافذة و هو الفاعل المختار الذي يسأل و لا يسأل اما اليوم و قد أصبحت أكثر الأمم دستورية و نواب الأمة هي التي تقنن القوانين التي تدور على مصالحها فإنما ينفذ من القوانين ما شرع موافقا للمصلحة لأنهم موكلون على هذا و لكن أين الوكالة و اين الموكلون و اين الوكلاء (ودع عنك نهبا صيح في حجراته.)

(مادة 59) الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة

أظهر مثال لهذه القاعدة ولاية الإنسان على ماله و أطفاله و عياله و سائر شؤنه الخاصة و لا تعارضها الولاية العامة كولاية الحاكم و الوالي بل و السلطان نعم لهؤلاء حسب الولاية العامة سلطة على الافراد و لكن في دائرة محدودة تعود أيضا الى شؤن المصالح العامة و مثل ذلك ولاية الولي على القصير فإنها مقدمة على ولاية القاضي و الحاكم و نحوهما فمع وجود الولي الخاص لا ينفذ بيع الحاكم مال الصغير و لا تزويجه و مثل ذلك ولي الوقف فإنه مقدم على من لهم الولاية العامة نعم للولي العام ان يعزل ولي الوقف

ص: 42

في ظروف خاصة كالخيانة و نحوها.

(مادة: 60) اعمال الكلام اولى من إهماله

اللازم هنا تأسيس القاعدة التي تبنى عليها هذه المادة و التي بعدها و قد تقرر في قواعد المحاورات العرفية البناء على أصول يسمونها الأصول العقلائية مثل أصالة عدم الخطاء و أصالة عدم السهو و النسيان و أصالة عدم العبث و اللغو و أصالة عدم الهزل و المزاح و كلها أصول بنت العقلاء على الاعتماد عليها في أقوالهم و أعمالهم فإذا تكلم رجل عاقل و شك بأنه سها أو غفل أو يريد الهزل و المزاح لا يعتني بشي ء من ذلك و يحمل على الإرادة الجدية و يلزم به خيراً كان كالإقرار أو إنشاء كالبيع و الهبة و الى هذه الأصول ترجع هذه المادة فإن معنى إهمال الكلام حمله على اللغو أو السهو و ما أشبه ذلك مما تنفيه الأصول العقلائية و يحكم بلزوم حمله على معناه الظاهر حقيقة كان الظاهر أو مجازا فان كان للكلام ظهور في أحدهما فهو المتبع و ان لم يكن و تردد بينهما حمل على معناه الحقيقي بأصالة الحقيقة فإن تعذر حمل على المجاز و هو مادة (61) فإن تعذر أيضا لم يكن بد من إهماله و هو مادة (62).

اما أسباب تعذر حمله على الحقيقة أو عليها و على المجاز فهو وجود المانع الشرعي كما لو قال القائل تزوجت أختي أو بنتي فإنه لا يمكن شرعا حمله على معناه الحقيقي فلا بد من حمله على بعض المعاني المجازية أو المانع العقلي كما لو قال انا أولدت أبي أو أمي تولدت منى فيحمل على المجاز أو المانع العرفي كما لو حلف ان لا يأكل من هذه النخلة فإنه يمتنع

ص: 43

الأكل من نفس النخلة و لا بدّ من حمله مجازاً شائعاً على ارادة عدم الأكل من ثمرها اما تعذر حمله على الحقيقة و المجاز فكما لو قال احدى زوجاتي طالق أو بعض مالي وقف أو بعتك بعض ما أملك و أمثالها كثيرة.

(مادة: 63) ذكر ما لا يتجزأ كذكر كله

هذه المادة ليس لها عند فقهاء الإمامية عين و لا اثر و ما ذكره الشراح من الأمثلة مثل ما لو قال انا كفيل بنصف زيد و انه يحمل على الكفالة بتمام نفسه لان زيد لا يتجزأ لا وجه له عندنا بل يعد هذا الكلام من اللغو الباطل و العقود تحتاج إلى صراحة و استعمال نصف زيد في زيد ليس بحقيقة و لا مجاز صحيح فلا تثبت به الكفالة لعدم الدلالة و مثله لو قال اشفع في البعض فإنه مناف لمشروعية الشفعة و هو دفع الشريك فهذه القاعدة ساقطة عندنا من أصلها.

(مادة: 64) المطلق يجري على إطلاقه إذا لم يقم دليل لتقييد إلخ.

هذه المادة هي عبارة عن قاعدة أصالة الإطلاق و انه متى احتمل التقييد في المطلق فالأصل عدمه اما وضعا و اما بمقدمات الحكمة و ان الحكيم لا يخل بغرضه فلو أراد التقييد لبين ذلك و المطلق هو اللفظ الدال على كلي ينطبق على كل فرد من أفراده اما على البدل أو على الاستيعاب فالأول مثل أعتق رقبة و إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ و الثاني مثل (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ) و التقييد مفرداً كان أو جمعا هو حصر الكلي في حصة معينة من حصصه مثل (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) و أكرم العلماء العدول.

ص: 44

(مادة: 65) الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر

تحرير هذه المادة و توضيحها ان البيع باعتبار المبيع كما سيأتي اما ان يكون كلياً أو جزئيا شخصيا فان كان كلياً اعتبر ضبطه و رفع الجهالة عنه بالوصف فيقول بعتك فرسا كذا عمرها و كذا لونها أشهب أو أدهم أو غير ذلك و هكذا سائر الصفات التي تؤثر في اختلاف القيم لاختلاف الرغبات و يلزم البائع تسليم ما يوافق تلك الصفات و ان كان جزئياً فلا يخلو اما ان يكون حاضراً فلا طريق لرفع الجهالة عنه الا بالمشاهدة ثم ان كان مكيلا أو موزونا أو معدودا اعتبر مع ذلك الكيل و الوزن و العدد و الا كفت المشاهدة.

و اما ان يكون غائبا حين العقد فيلزم رفع الجهالة عنه أيضا بالوصف.

فيقول: بعتك الفرس الأدهم الطويل العنق الذي هو الآن في المحل الفلاني فإن ظهر موافقا للأوصاف لزم البيع و الا تخير المشتري بين الفسخ و القبول هكذا ينبغي ان يقال في شرح هذه المادة اما ما ذكره بعض الشراح من الأمثلة و هي (1) لو باع الفرس الأشهب و قال بعتك هذا الأدهم و أشار الى الأشهب صح البيع و لغا الوصف (2) لو قال المدعي هذه السيارة الحمراء ملكي و شهد الشهود كذلك مشيرين إليها و هي صفراء تقبل الدعوى و الشهادة لأن الوصف هنا لغو (3) و لو قال شخص وكلتك على شراء هذا الثوب الأخضر فاشتراه الوكيل فإذا هو اسود صح شراؤه لموكله، فكل هذه الأمثلة لا علاقة لها بما نحن فيه بل هي من أمثلة تعارض الوصف و الإشارة و ليس هنا قاعدة مطردة في تقديم أحدهما على الآخر

ص: 45

بل تختلف الموارد باعتبار القرائن الحالية أو المقالية و مثله تعارض الاسم و الإشارة كما لو قال زوجتك بنتي هذه زينب فقال قبلت و ظهر انها هند فترجيح الإشارة هنا غير معلوم بل لعل الأقوى ترجيح الاسم و مثله لو قال بعتك عبدي هذا جوهر فطهر انه ياقوت فالأصح اما البطلان أو الخيار و الأظهر الأول.

(مادة: 66) السؤال معاد في الجواب

هذه المادة لا يترتب عليها أثر في مقام الاحكام و من المعلوم ان المدار على ظهور الكلام في الاعتراف أو الإنكار و جواب السؤال كما ذكروا في (كتاب القضاء) ان جواب المدعى عليه اما إقرار و إنكار أو سكوت و مثل السكوت قوله لا ادري و الإقرار نعم و أخواتها و الإنكار لا و نظائرها و هذان يكون السؤال فيهما معاداً سلبا أو إيجابا. أما الثالث و هو السكوت أو الشك فليس السؤال فيهما معاداً و على كل فلا يترتب اثر على كونه معاداً أو غير معاد و انما الأثر لصدق الإقرار و الإنكار قبل كل شي ء و نظير الكلام في قاعدة (67) السكوت في معرض الحاجة بيان فان السكوت لا يكون بيانا الا مع ظهور قرينة من حال أو مقال بأنه بيان سلبا أو إيجابا و منه ما ورد في الشرع في البكر و انه يلزم ان تستأمر في زواج نفسها و سكوتها رضاها فقد اعتبر الشارع سكوتها رضا بقرينة ان الغالب ان الحياء بمنعها من التصريح بالقبول فيكون السكوت قبولا و مثله ما لو سكن رجل في دار غيره و قال له صاحب الدار أريد بدل سكناك عن كل شهر ديناراً فسكت فإنه يلزم بالدينار لو استوفى المنفعة

ص: 46

شهرا و هكذا نظائرها و منه ما لو باع المرتهن العين المرهونة بحضور الراهن فإنه يعد اجازة خلافا لبعض الشراح.

[مادة: 68] دليل الشي ء في الأمور الباطنة يقوم مقامه

هذه العبارة لا تخلو من تعقيد و لعل المراد ان الأمور الخفية التي يعسر الاطلاع عليها غالبا يكتفى في الحكم بها بآثارها الظاهرة و لوازمها الحاصلة مثلا لو تزوج رجل فاولدت امرأته ولداً لستة أشهر نحكم بأنه دخل بها و ان الولد ولده فان الدخول بها لما كان امراً خفيا استدللنا بلازمه و هو الولد على فراشه و إذا وجدنا رجلا عاريا الا من الساتر في الشتاء القارص استدللنا منه انه فقير لا ثياب عنده و لا مال و الحاصل قد نستكشف الأمور الخفية من الأمارات الظاهرية و لكنها لا تفيد القطع و اليقين و انما تكون أمارة ظنية غالبية.

(مادة: 69) الكتاب كالخطاب

لا عبرة عندنا معشر الإمامية و لا نعقد العقود و المعاملات إلا بالألفاظ أو إشارة الأخرس فلو وجدنا كتاب زيد الذي نعلم بأنه خطه و توقيعه بأنه قد باع داره لا تحكم بالبيع حتى يعترف هو أو تقوم البينة أو يحصل لنا اليقين بأنه قد أوقع صيغة البيع لفظا خلافا لما يظهر من بقية المذاهب التي تعتبر الكتابة كاللفظ اما عندنا فلو كتب اني بعت و كتب الآخر اني قبلت لم يكن عندنا بيعا عقديا فان تعاطيا كان معاطاة و الا فلا شي ء.

(مادة: 70) الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان

ص: 47

اتفقت الإمامية على ان إشارة الأخرس المفهمة لمقاصده تقوم مقام اللفظ ليس في معاملاته فقط بل حتى في عباداته و صومه و صلاته و نكاحه و طلاقه و وصيته و لعل اخبارهم بذلك مستفيضة و الظاهر اتفاق المذاهب الأربعة أيضا عليه و لكن مشروط بإفادة إشارته القطع بمراده اما مع عدم القطع فمشكل و هكذا الكلام في قبول قول المترجم عن المترجم عنه كما في مادة (71) نعم لو كان المترجم عادلا صدوقا أمكن الاعتماد على ترجمته بناءً على حجية خبر الواحد في الموضوعات كما هو الأقوى عندنا أما مادة (72) لا عبرة بالظن المتبين خطؤه فهي مستدركة فإن القطع المتبين خطؤه لا عبرة به فكيف بالظن نعم لو عمل المكلف بالأمارة الشرعية كالبينة و نحوها و انكشف خطؤها أيضا ينقض ما بنى عليه من حكم و غيره.

(مادة: 73) لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل

الأمارات الشرعية كالبينة و خبر الواحد و الإقرار غالباً أو دائماً تدور مدار حصول الوثوق و حصول الظن بمؤداها و لو نوعا و لا أقل من كونها منوطة بعدم الظن بخلافها فإذا حصل الظن بخلافها من امارة و لو حالية يشكل الاعتماد عليها و الوثوق بها و بعبارة اجلى ان أدلة حجيتها قاصرة عن شمول مثل هذا النوع منها و ذلك كالإقرار بالبيع مع قرائن قصد الحرمان فإنه لا عبرة به و كشهادة الوكيل لموكله و الأجير لمستأجره مع التهمة و الوالد لابنه فإن إطلاق أدلة البينة و ان كان شاملا في الظاهر لجميع هؤلاء و لكن يمكن دعوى انصرافها أو قصورها عن موارد التهمة و هي

ص: 48

تختلف حسب اختلاف الموارد شدة و ضعفاً و كل ذلك منوط بنظر الحاكم و وجدانه و مقدار وثوقه في الموارد الخاص و لا عبرة بالتوهم كما في مادة (74) و هو أيضا مستدرك و غني عن البيان و اي حجية في الاحتمال المجرد عن الرجحان بل لا يمكن جعله حجة شرعا و لا عقلا لانه ترجيح بلا مرجح كما لو كان الوهم أحد طرفي الشك أو ترجيح المرجوح كما لو كان خلاف المظنون و الأمثلة واضحة و كثيرة.

(مادة 75) الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان

و هذا أيضا ضروري و واضح فان الثابت بالبرهان العقلي أو الحجة الشرعية أو العيان و المشاهدة سواء في وجوب العمل و لزوم ترتيب الآثار و ان اختلفت درجة العلم و اليقين الحاصل منها نظير ما يذكره بعض العرفاء في مراتب المعرفة من علم اليقين و حق اليقين و عين اليقين فلو أقر المدعى عليه بدين امام الحاكم أو ثبت ذلك بخطه و توقيعه فالجميع يصلح لان يكون مدركا لحكم الحاكم و ان اختلفت المراتب و هذا واضح لا يحتاج الى مزيد بيان

(مادة: 76) البينة على المدعي و اليمين على من أنكر

هذا نص الحديث في بعض الروايات و هي قاعدة اساسية من القواعد الإسلامية و هي الركن الأعظم في باب الحكومة و القضاء فالمدعي هو المكلف بإقامة البينة و لا تثبت دعواه بغيرها أصالة و المنكر يكفيه في رد دعوى المدعي اليمين أصالة و لا ينافي ذلك ان المدعي قد يتوجه عليه اليمين كما في اليمين المردودة و المنكر قد تقبل منه البينة كما في تعارض البينات

ص: 49

و في باب التداعي و المراد بالبينة عند الشارع هو خصوص شهادة العدلين.

و ان كان أصل معنى البينة لغة كلما يتبين به الأمر المشتبه فمرور مائة سنة على المفقود بينة على موته و لكن لم يسمها بينة و يطلق عليها و على أمثالها من القرائن الزمانية أو المكانية و نحوها امارة، و بمقتضى هذا الحديث ان اليمين لا يكون على المدعي بحال و هو المحكي عن الحنفية و عند الإمامية و باقي المذاهب ان المدعى عليه له ان يرد اليمين على المدعي كما انه لو نكل المدعى عليه عن اليمين ردها الحاكم على المدعي حيث بعجز عن البينة و فيما لو اقام المدعي شاهدا و عجز عن الثاني فإنه يجبره بيمينه و ذلك في خصوص الحقوق المالية و بقية الكلام موكول الى محله من مباحث الفقه الواسعة.

(مادة: 77) البينة لإثبات خلاف الظاهر و اليمين لإبقاء الأصل

هذه المادة كأنها متممة للمادة السابقة في إعطاء الضابطة و التعريف للمدعي و المنكر و قد تكثرت الضوابط و التعاريف لهما و لعل الجميع يرجع الى معنى واحد و كان المجلة اعتبرت المدعي هو من يدعي خلاف الظاهر و كان من حق المقابلة أن يجعل المنكر من يدعي ما يوافق الظاهر و لعلهم أرادوا بالظاهر هنا الأصل و ان كان خلاف مصطلح الفقهاء فيكون المدار حينئذ في المدعي و المنكر على ما خالف الأصل و وافقه و لكنه لا يطرد في جميع الموارد فان من ادعى عينا في يد آخر فصاحب اليد منكر إجماعا مع ان قوله ان العين له لا يوافق الأصل نعم يوافق الظاهر و دعوى الخارج انها له تخالف الظاهر ضرورة ان اليد ظاهرة في الملكية و ظهر بهذا ان كلا من الضابطتين اعني

ص: 50

الأصل و الظاهر لا يصلح ان يكون ميزاناً مطردا للمدعي و المنكر و لذا عدل بعضهم عن ذلك و عرف المدعي انه هو الذي لو ترك ترك (بالفتح في الأول و الضم في الثاني) و هو أيضا لا يشمل كثيراً من أبواب التداعي كما لو اتفق مثلا البائع و المشتري على ان الثمن عشرة و اختلفا في ان المبيع ناقة أو بقرة إلى كثير من أمثال هذا و الأصح عندنا ان تمييز المدعي من المنكر منوط الى نظر الحاكم في القضايا الشخصية فقد يتميزان بمخالفة الأصل و موافقته. تارة و بمخالفة الظاهر و موافقته اخرى، و قد يتميزان بغيرهما أحيانا، و حينئذ يلزم كلا بوظيفته من بينة أو يمين اما في باب الأمانات فقد تنعكس القضية و يكون المدعى هو ما وافق قوله الأصل و المنكر التلف مدعيا مع ان قوله موافق الأصل و لكن عليه البينة و كذا في دعوى الرد يصدق الأمين باليمين و على منكره البينة و ان كان هذا الأخير محل خلاف كل ذلك للأدلّة الخاصة من ان الأمين ليس عليه الا اليمين و تفصيل البحث موكول الى مواضعه و أبوابه في الفقه.

(مادة: 78) البينة حجة متعدية و الإقرار حجة قاصرة

الفرق بين البينة و الإقرار ان البينة جعلها الشارع طريقا نزل مؤداها منزلة الواقع في كل ماله من الآثار فإذا شهدت بطهارة ماء كان نجسا صار الماء بمنزلة ما لو طهرته بنفسك فتشربه و تتوضأ به و ترتب عليه كل ما للماء الطاهر من اثر و هكذا لو شهدت ان الدار لزيد فتشتريها منه و تملكها و تسترهنها منه الى غير ذلك اما الإقرار فلا نظر في أدلة اعتباره

ص: 51

الى الواقع بل غايته ان المقر يلزم بإقراره بحديث إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أو نافذ اما غير المقر فلا يلزم به ففيما لو أقر زيد بزوجية هند له و أنكرت هي فإنه يلزم بآثار الزوجية من نفقة و غيرها و لا تلزم هي بشي ء من آثار زوجيته اما لو أقام البينة عليها أو حكم الحاكم فإنها تلزم بجميع آثار زوجية و لا يبقى أي اثر لإنكارها و سره ما ذكرنا من اختلاف دليل الحجية و الاعتبار فتدبره جيداً و مما ذكرنا علم ما في مادة (79) المرأ مؤاخذ بإقراره اي ان إقراره نافذ عليه و ملزم به و من أحكام الإقرار ان الإنكار بعده لا يسمع فلو أقر بأنه مديون لزمه فلو ادعى بعد ذلك الإيفاء طولب بالبينة.

(مادة: 80) لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم

كان هذه المادة ناظرة إلى تعارض البينات و الحق عندنا ان البينتين إذا تعارضتا فقد تعارض الحجتان لا انهما سقطتا عن الحجية و لذا ننظر في المرجحات و نعمل بالراجح منهما نعم مع التساوي من جميع الجهات يسقط العمل بهما لاشتباه الحجة بينهما و على كل فان تعارضتا قبل الحكم لزم العمل بأرجحهما و ان ظهرت البينة المعارضة بعد الحكم فلا اثر لها نعم لو كذبت البينة نفسها أو رجع الشاهدان عن شهادتهما لم ينقض الحكم و غرمت البينة ان كان الحكم بمال أو حق مالي فلو حكم الحاكم بالقصاص فاقتص الولي ثم رجعت البينة عن شهادتها فان قالت أخطأنا غرمت الدية و ان قالت تعمدنا قتلا معا ورد الولي على ولي كل منهما نصف الدية

(مادة: 81) قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل

ص: 52

المدار في الأحكام الشرعية سيما في باب الغرامات و الضمانات على أسباب خاصته و موازين معينة فقد تقوم الحجة على الفرع فيثبت و لا تقوم على الأصل فلا يثبت فلو ادعى رجل على آخر دينا و قلت للمدعي أنا كفيله أو انا ضامن لهذا الدين و لكن المدعى عليه أنكر كنت أنت الملزوم به و أنت فرع دون المدعى عليه و هو أصل فتثبت الكفالة و لا يثبت الدين و ذلك لحصول الحجة و هو الإقرار في الأول دون الثاني و النظائر كثيرة

(مادة: 82) المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط

هذا ضروري و الا لم يكن الشرط شرطاً و ليعلم ان الشرط في لسان الفقهاء يطلق على معنين متغايرين. (أحدهما) ما يعلق عليه العقد أو الإيقاع (و الثاني) ما يتقيد به العقد أو الإيقاع و الأول هو ما يكون من قبيل جزء العلة التامة و الثاني هو ما يكون من نحو التعهد و الالتزام و هذا هو الأكثر في باب المعاملات استعمالا في لسان الشارع و المتشرعة و هو قسمان وصف و هو المحقق الوقوع في الحال أو الماضي أو الاستقبال مثل قوله بعتك ان طلعت الشمس غداً أو ان كانت طالعة حالا و هكذا و هذه في الحقيقة صورة تعليق لا تعليق حقيقي، أو حال و هو ممكن الوقوع فقد يقع و قد لا يقع مثل بعتك ان جاء ولدي غداً من السفر أو عافى اللّٰه مريضي و نحو ذلك و هذا هو التعليق الحقيقي الذي اتفقت الإمامية انه مبطل للعقود و الإيقاعات و انه لا بدّ فيها من التنجيز لأن التعليق بهذا المعنى توقيف مضمون جملة على حصول جملة أخرى و حيث ان المعلق عليه غير حاصل فعلا فالبيع غير حاصل أيضا و حصوله بعد يحتاج الى عقد جديد و العمدة في دليل البطلان هو

ص: 53

الإجماع ان تم و الا فللمناقشة فيه مجال واسع و يظهر من المجلة عدم مانعية التعليق من صحة العقد و الإيقاع سواء كان واقعا أو ممكن الوقوع و هو من حيث الاعتبار غير بعيد و لكن نقل الإجماع على بطلانه عند الإمامية مستفيض هذا موجز الكلام في الشرط بمعنى التعليق (اما الشرط بمعنى التقييد في العقد) الذي يرجع الى التعهد و الالتزام فهو الذي أشارت له المجلة في مادة (83) يلزم مراعاة الشروط بقدر الإمكان و الشرط بهذا المعنى ينقسم باعتبارات شتى إلى أقسام (أولها) ان الشرط تارة يكون ابتدائياً استقلاليا و اخرى يكون تبعا ضمنيا فالأول مثل ان تقول شرطت على نفسي ان ادفع لك مائة دينار اي تعهدت لك بذلك و كاد ان ينعقد إجماع الإمامية بأن مثل هذه الشروط الابتدائية لا يجب الوفاء بها و ان الشرط بهذا النحو وعد يستحب الوفاء به فان تم الإجماع تعبدنا به والا فللمناقشة فيه مجال و الفرق بين الوعد و الشرط يظهر بالتأمل (و الثاني) هو الالتزامات في ضمن العقود مثل بعتك داري و اشترطت لك تعليم ولدك أو خياطة ثوبك أو اشترطت لي خيار الفسخ الى كثير من أمثال ذلك و بهذا المعنى قد فسر الشرط صاحب (القاموس) و هو من بعض أخطائه حيث قال، الشرط إلزام الشي ء و التزامه في البيع و نحوه، و من المتفق عليه عند عموم المذاهب لزوم مثل هذه الشروط في الجملة و لكن انما يلزم الوفاء بالشروط الصحيحة منها لا مطلقا، اما الفاسدة فهي لغو كما أنها أنواع (أولها) المستحيلات عقلا و عادة و يلحق بها مالا فائدة فيه من اللغو و العبث كما لو اشترط عليه ان يمشي على رجل

ص: 54

واحدة أو يرفع بدية على رأسه مدة أيام (ثانيها) المحرمات شرعا ذاتية أو عرضية [ثالثها] ما ينافي مقتضى العقد مثل بعتك بشرط ان لا تملك و آجرتك بشرط ان لا تستوفى المنفعة أصلا لا مباشرة و لا تسبيباً فكل هذه الشروط باطلة بغير إشكال إنما الإشكال في أنها تفضي إلى بطلان العقد أيضا أم لا و الحق أنها تختلف فالأخير يقتضي البطلان قطعاً كما سيأتي دون الأولين فلو باعه مثلا بشرط ان يشرب الخمر بطل الشرط و صح العقد ثم الشرط بمعنى الالتزام تارة يكون عملا خارجيا و أخرى و صفا داخليا فتارة يشترط له التعليم أو الخياطة و اخرى يشترط له ان يكون العبد المبيع كاتبا أو الفرس أصيلا و تخلف الشرط في كلا الصورتين يوجب الخيار و هو المسمى بخيار تخلف الشرط و هذا أيضا موجز الكلام في الشروط بمعنى الالتزامات و التفصيل موكول الى محله في كتب الفقه و منه ظهر الكلام في مادة (84) المواعيد بصورة التعليق تكون لازمة. و فذلكة التحقيق هنا ان الوعد سواء كان معلقا أو مجرداً لا يجب الوفاء به وجوبا فقهيا نعم يجب وجوبا اخلاقيا فان الوفاء بالوعد من أجمل مكارم الأخلاق و وعد الحر [كما يقال] دين اي يجب الوفاء به سواء كان أيضا مجرداً أم معلقاً فلو قال رجل لآخر بع هذا الشي ء من فلان و ان لم يعطك الثمن انا ادفعه لك فلو لم يعطه الثمن فان كان الوعد بنحو الالتزام و التعهد وجب ان يدفع له و الا فلا، و هذا من منفرداتنا اما ظاهر المشهور فعدم الوجوب مطلقا فليتدبر.

(مادة 85) الخراج بالضمان

ص: 55

الظاهر انها كلمة نبوية كقاعدة اليد و أمثالها من جوامع كلمه القصار القليلة اللفظ الكثيرة المعنى و المراد بالخراج ما يخرج من العين من غلة و منافع و الظاهر ان الباء سببية يعني ان منافع العين تملك بسبب ضمانها و لازم هذا ان كل من عليه ضمان العين فمنافعها له غير مضمونة عليه و بهذا تمسك الحنفية لما ذهب إليه امامهم من ان الغاصب لا يضمن ما استوفاه من منافع العين المغصوبة لأنه ضامن و ضمان العين لا يجتمع مع ضمان منافعها.

و حيث تظافرت أخبار الإمامية عن أئمتهم ان الغاصب يضمن العين و المنفعة و صحيحة (أبي ولاد) عندهم مشهورة معروفة و قد تضمنت رد تلك الفتوى بأبلغ بيان لهذا التزم فقهاؤهم بتأويل هذه الجملة المتقدمة فحملها بعض اعلام المتأخرين على ما حاصله بعد توضيح و تنقيح منا، ان المراد بالضمان في النبوي هو الضمان الجعلي الاختياري ضرورة ان كل عاقل إذا ضمن ملك الغير و جعل غرامة تلفه عليه فإنما يصنع ذلك بغرض استيفاء منافعه فالخراج يكون له بسبب ضمانه الاختياري لا الضمان القهري المجعول شرعا كضمان الغاصب و لا الضمان التبعي كضمان البائع درك المبيع و المشتري درك الثمن ضرورة ان البائع هنا مع انه ضامن للمبيع و لكن منافعه لبست له بل للمشتري و هكذا في المشتري بالنسبة إلى الثمن فان الخراج هنا ليس بالضمان قطعا نعم خراج الثمن للبائع بالضمان اي بضمانه لأن تلف الثمن عليه و من ماله كما ان خراج المبيع للمشتري لأنه ضامن له و تلفه يكون عليه و من ماله فليس المراد الضمان القهري. و لا التبعي و لا الضمان التقديري كما في أعتق عبدك عني فإن الضمان عليه و منافع العبد ليست

ص: 56

له فتعين كون المراد هو الضمان الجعلي الاختياري كما في ضمان المعاملات و المعاطات فلا تصلح القاعدة دليلا على عدم ضمان الغاصب للمنافع و يمكن ان يكون المراد منها ان خراج العين بسبب ضمانها اي من كان تلف العين عليه و من ماله فخراجها و منافعها له فيكون محصلها ان خراج العين لمالك العين الذي لو تلف العين كان تلفها عليه و من ماله فيكون مفادها مفاد مادة (67) الغنم بالغرم اي غرامة العين و تلفها على من تكون له منافعها و غنيمتها و قد يعبر عنها بعبارة أخرى و هي من له الغيم فعليه الغرم و من جميع ما ذكرناه يتضح لك وجه القدح في مادة (86) الأجر و الضمان لا يجتمعان، و الحق أنهما يجتمعان و لا مانع من اجتماعهما عقلا و شرعا فالمقبوض بالسوم أو بالعقد الفاسد يضمن العين قابضها و يعطى اجرة ما استوفاه من منافعها و هكذا الغاصب و نظائره و كذا ما في-:

(مادة: 87) الغنم بالغرم

و قد سبق ان من المعلوم كون منافع الشي ء لا يملكها الإنسان إلا إذا كان مالكا أو متلقيا من المالك فمعنى هاتين المادتين أو الثلاث ان المالك له منافع الشي ء و غلته و عليه خسارته و غرامته و إليها أيضا ترجع مادة [88] النقمة بقدر النعمة و ان كانت لا شي ء عند التحقيق.

(مادة: 79) الفعل ينسب الى الفاعل لا الأمر ما لم يكن مجبراً

هذه قاعدة اساسية محكمة يحكم بها العقل و الشرع و العرف و يترتب على ذلك ان تبعات الفعل من قصاص أو ضمان أو عقوبة فهي على الفاعل لا على الآمر و ان ترتب على الآمر احكام شخصية اخرى لكونه آمراً لا لكونه

ص: 57

فاعلا نعم قد يتحمل الآمر كل تبعات الفعل بحيث لا يكون شي ء منها على الفاعل إذا كان جاهلا و قد غره الآمر و أغراه بقاعدة المغرور يرجع على من غره و كذا إذا كان صبيا أو مجنوناً و قد امره الرجل العاقل بإتلاف مال غيره أو حياته فإنه و ان رجع على الولي لكن الولي يرجع بالغرامة على الآمر اما لو كان الآمر أيضا صبيا فلا و الى هذا ترجع.

(مادة: 90) إذا اجتمع المباشر و السبب يضاف الحكم الى المباشر

و يلزم ان يستثنى من هذه الكلية ما لو كان السبب أقوى من المباشر نظير ما سبق من كذب البينة فلو شهد اثنان لرجل بان فلان قتل أباك فقتله ثم تبين تزويرها فإنهما يقتلان مع الرد و لا يقتل الفاعل لان السبب هنا أقوى من المباشر أو قال له أسرق مال فلان و الا قتلتك فسرقه فان الضمان على الآمر لأنه أقوى من المباشر السارق و هكذا نظائرها و هي كثيرة

(مادة: 91) الجواز الشرعي ينافي الضمان

ينبغي ان تكون هذه المادة ناظرة إلى الأمانات الشرعية كاللقطة و مجهول المالك و قبض مال اليتيم المصلحة أو الحفظ و كثير من أمثال ذلك فإنه قبض جائز شرعا و التصرف بغير تعدى مأذون به من الشارع و مع اذن الشارع لا ضمان لو تلفت بغير تعد أو تفريط و إذن الشارع ان لم يكن فوق إذن المالك فليس هو بأقل منه، و الحاصل ان كلا منهما مسقط الضمان و قد غفل بعض الشراح عن هذه المادة و مثل لها بالمثلة لا علاقة لها بهذه القاعدة أصلا مثل ما لو حفر أحد في ملكه حفرة فسقط فيها دابة فهلكت فلا ضمان على صاحب الحفرة فإن الضمان هنا لا مقتضى له أصلا ضرورة

ص: 58

ان تلف الدابة لا يستند الى صاحب الحفرة لا مباشرة كما هو واضح و لا تسبيبا لأن الإنسان له ان يتصرف في ملكه كيف شاء، نعم لو حفرها في غير ملكه أو في شارع عام أمكن ان يلزم بالضمان و ان يكون هو السبب ان لم يكن إهمال من صاحب الدابة و على كل فينبغي ان يكون موضوع المادة ما كان مقتضى الضمان موجوداً و لكن الإذن الشرعي يرفع الضمان كما في الأمانات فإن وضع اليد على مال الغير يقتضي الضمان و لكن الإذن الشرعي أو المالكي يرفعه فلا يجتمع الضمان و الجواز فتدبره جيداً.

(مادة: 92) المباشر ضامن و ان لم يتعمد

هذه المادة هي قاعدة الإتلاف التي يعبر عنها فقهاؤنا (بان من أتلف مال غيره فهو له ضامن) و تفترق هذه عن قاعدة اليد المشهورة بأن هذه ناظرة إلى التلف تحت اليد و تلك إلى الإتلاف و ان لم يكن تحت اليد فبينهما عموم من وجه يجتمعان و يفترقان و الإتلاف و التلف يوجبان الضمان في الجملة و ان لم يكونا عن عمد و لكن بنحو الاقتضاء و هذه القاعدة تستفاد من جملة من الاخبار و المثلة كثيرة لا تخفى و لا يشترط في الإتلاف العمد نعم يشترط ذلك في التسبيب فالمسبب للتلف ان كان متعمدا ضمن بلا اشكال و الا فإن أسند الفعل اليه عرفاً كان ضامنا و الا فلا.

أما التعدي أي عدم الإذن الشرعي أو المالكي فهو شرط في جميع أسباب الضمان و الى قضية التسبيب أشارت مادة (93) المتسبب لا يضمن الا مع العمد.

ص: 59

(مادة: 94) جناية العجماء جبار

هذه المادة على الظاهر مضمون حديث أو نصه و في بعض كتب الحديث (جرح العجماء جبار) و المعنى واحد و العجماء هي البهائم لكن إذا كانت البهيمة مملوكة و أهملها صاحبها حتى دخلت دار قوم أو زرع آخرين فاتلفته فإنه ضامن لان السبب هنا أقوى من المباشر و هذا من موارد ضمان السبب و ان لم يكن متعمدا لان التلف كان من فعله و يسند اليه و الدابة كالآلة و من هنا يظهر عدم صحة الإطلاق في المادة السابقة و هي ان المتسبب لا يضمن الا مع التعمد نعم لو ان شخصين ربط كل منهما دابته الى جنب دابة الآخر في فلاة أو في المنازل العامة كالخانات فأتلفت إحداهما الأخرى و كذا لو ربطها مالكها فأفلتت و أضرت فلا ضمان.

(مادة 95) الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل

يعني حيث لا ولاية له على ذلك المال اما لو كان له ولاية كمتولي الوقف أو ولي اليتيم أو حاكم الشرع في مال الغائب و أمثال ذلك فالأمر بالتصرف صحيح و نافذ شرعاً و بالجملة فالبطلان يدور مدار العدوان فهذه المادة ترجع إلى التي بعدها.

(مادة: 96) لا يجوز لأحد ان يتصرف في ملك الغير بغير اذن،

و لو قال بغير اذنه أو اذن الشارع لأغنت أيضاً عن المادة التي بعدها (لا يجوز لأحد ان يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي) و كلها ترجع الى

ص: 60

مفاد الحديث النبوي (لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه) بعد قوله تعالى (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) و أمثالها التي حرم اللّٰه سبحانه فيها الإثم و البغي و العدوان و الأمثلة واضحة كثيرة و أطهرها موارد الغصب و السرقة و الرشوة. و قد مثل لها بعض الشارحين بما إذا صالح عن الدعوى فظهر انه لا حق له بتلك الدعوى أصلًا فإن الصلح باطل و يسترد بدل الصلح ففيه مع انه ليس من أمثلة ما نحن فيه و البدل قد دفعه المصالح بطيب نفسه نمنع بطلان الصلح فإنه وقع لإسقاط الدعوى لا للحق الواقعي و هو واضح فتدبره جيداً

(مادة: 98) تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات

هذا التعبير لا يفصح عن الغرض المقصود بهذه المادة و هي ان الأسباب الشرعية مؤثرة كتأثير الأسباب الواقعية فكما انه لو وهب ماله لشخص و تلف المال لا سبيل له الى الرجوع بما وهب لزوال الموضوع فكذلك لو باع المتهب المال لم يبق للواهب حق الرجوع فيما وهب لانتقاله عنه اي هو كتلفه و كذا لو باع عينا بخيار و باعها المشتري من آخر بغير خيار فإنه لا يبقى للبائع الأول حق الرجوع و لو فسخ رجع بالمثل أو القيمة كما لو تلفت العين

(مادة: 99) من استعجل الشي ء قبل أوانه عوقب بحرمانه

أظهر مثال لهذه المادة- الوارث إذا قتل مورثه ليستعجل في إرثه فإنه يحرم شرعاً من الإرث عقوبة له بحرمانه ما استعجل فيه و كذا لو قتل الموصى له الوصي في وجه و كذا من طلق زوجته في مرض موته

ص: 61

كي لا ترث منه فإنها ترثه لو مات في الحول و لو بعد خروجها من العدة و كذا لو حابى أحد ورثته ببيع أو هبة يقصد حرمان الباقين فإنها تبطل على الأصح نعم يستثني من هذه المادة ما لو قتل الدائن مدينة بدين مؤجل كي يتعجل فإنه يحل على قاعدة الديون المؤجلة التي تحل بموت من هي عليه و مقتضى المادة ان لا يحل و كذا في منجزات المريض من بيع و نحوه محاباة لا يقصد الحرمان فإنها تصح سواء قلنا بخروجها من الثلث أو من الأصل و قد يعثر المتتبع على غير ذلك من الأمثلة في المستثنى و المستثنى منه.

(مادة: 100) من سعى في نقض مأتم من جهته فسعيه مردود عليه

هذه المادة أشبه بان ترجع إلى قاعدة عدم نفوذ الإنكار بعد الإقرار أو إلى أصالة الصحة في عمل المسلم أو مطلقاً أو ما أشبه ذلك من الأصول و القواعد و ليست هي قاعدة برأسها فإن الواهب له ان يرجع بهبته و قد تم من جهته الى كثير لا يحصى من أمثال ذلك، نعم لو باع ثم ادعى فساد المبيع لم يقبل منه و لكن لا لهذه القاعدة بل لأصالة الصحة في فعل العاقل و كذا لو أقر بدين ثم ادعى الاشتباه فإنه لا يسمع لقاعدة (لا إنكار بعد الإقرار) و هكذا و بالجملة نقض الإنسان لعمله أو قوله يختلف في القبول و عدمه باختلاف الموارد و الأصول و القواعد الجارية في كل مورد بحسبه، هذا موجز القول فيما ذكرته المجلة من القواعد العامة و قد اتضح لك جلياً ان بعضها يدخل في بعضها و بعضها مستدرك لا يترتب عليه أثر.

ص: 62

أما القواعد الاساسية منها التي تصلح لان تكون مدركاً و دليلًا على كثير من أبواب المعاملات و الإيقاعات فهي كما نتلوها عليك و إليك بيانها.

ص: 63

(1) العبرة في العقود للمقاصد و المعاني، لا للألفاظ و المباني لعل المراد بهذه المادة ان الألفاظ تتبع ما أريد و قصد منها لا ما هي دالة عليه بحسب وضعها التعييني أو التعيني فلفظ بعت مثلا و ان كان دالا بالوضع و الاستعمال على نقل الأعيان و لكن لو أريد منه نقل المنافع بدل الإجارة الموضوعة لذلك كان الاعتبار بما قصد و أراد و لو مجازا أو غلطا لا بما هو مدلول اللفظ بحسب وضعه و لكن التحقيق عندنا و هو الظاهر من بعض النصوص و متون فقهائنا ان العقود يلزم فيها استعمال الألفاظ الصريحة الدالة على معانيها بالوضع و المطابقة فلا يصح فيها المجاز و الكناية فضلا عن مخالفة الوضع الشخصي أو النوعي و استعمال البيع في الإجارة قد لا يكون صحيحاً لا حقيقة و لا مجازا فيكون غلطا و يقع العقد المزبور مثلا باطلا، نعم لا ريب ان المقصود هي الركن الأعظم في العقود و لكن بقيد الألفاظ الخاصة الموضوعة للدلالة عليها المتحدة بتلك المعاني اتحادا جعليا لا بالألفاظ الغريبة عنها.

إذ من المعلوم ان للفظ أنسا و ملابسة مع المعنى الموضوع له المستعمل فيه.

و نفورا و وحشة من المعنى الغير الموضوع له، و على كل فالصراحة اللازمة سيما في العقود اللازمة توجب استعمال الألفاظ الدالة على المعاني المقصودة بالوضع و المطابقة لا بالمجاز و الكناية فضلا عن الغلط فاللازم ان تكون المادة هكذا:

العبرة في العقود للمقاصد و المعاني مع الألفاظ و المباني و قد تقدم بعض البحث فيها في أول الكتاب

ص: 64

(2) قاعدة الاستصحاب و هي إبقاء ما كان على ما كان و دليلها اخبار لا تنقض اليقين بالشك و إليها ترجع المواد الثلاث 4- 5- 6 بل مادة 8- 10 بل و 11 (3) أصالة البراءة التي تنفرد عن الاستصحاب من بعض الوجوه (4) قاعدة لا ضرر و لا ضرار، و إليها يرجع عشر مواد أو أكثر (5) أصالة الحقيقة، (6) المشقة تجلب التيسير (7) درء المفاسد اولى من جلب المنافع (8) ما حرم أخذه. حرم إعطاؤه (9) ما حرم فعله. حرم طلبه (10) العادة محكمة- و لكن في الجملة كما عرفت و مثلها تغير الاحكام بتغير الزمان و مثلها.

(11) العبرة للغالب الشائع (12) الممتنع عادة كالممتنع حقيقة (13) إذا تعارض المقتضي و المانع يقدم المانع (14) التابع تابع هذه المادة مجملة و لعل المراد بها ان التابع في الوجود تابع في الحكم و قد عرفت انه لا يطرد (15) إذا سقط الأصل سقط الفرع (16) الساقط لا يعود كما ان المعدوم لا يعود (17) إذا بطل الأصل يصار الى البدل (18) يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها

ص: 65

(19) البقاء أسهل من الابتداء (20) لا يتم التبرع الا بالقبض (21) التصرف على الرعية منوط بالمصلحة (22) الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان (23) البينة على المدعي و اليمين على المنكر (24) البينة حجة متعدية و الإقرار حجة قاصرة (25) الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة (26) اعمال الكلام اولى من إهماله (27) ذكر ما لا يتجزأ كذكر كله (28) المطلق يجري على إطلاقه (29) الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر (30) الكتاب كالخطاب عند فقهاء المذاهب لا عند الإمامية (31) إشارة الأخرس بيان (32) لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل (33) المعلق على شرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط (34) يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان (35) الخراج بالضمان (36) الغنم بالغرم، (37) الفعل ينسب الى الفاعل لا الآمر ما لم يكن مجبرا (38) إذا اجتمع المباشر و السبب يضاف الحكم الى المباشر

ص: 66

(39) الجواز الشرعي ينافي الضمان (40) المباشر ضامن و ان لم يتعمد (41) المتسبب لا يضمن الا مع العمد (42) جناية العجماء جبار (43) لا يجوز التصرف بمال الغير بغير اذن (44) تبدل سبب الملك يقوم مقام الذات (45) من استعجل الشي ء قبل أوانه. عوقب بحرمانه.

هذه مهمات القواعد التي ذكرتها (المجلة) و ما عداها فتكرار أو متداخل أو عديم الفائدة، و العجب أن مؤلفيها مع انهم من أفاضل علماء عصرهم ذكروا جملة من المواد العديمة الجدوى أو القليلة الفائدة و أهملوا جمهورا من القواعد المهمة التي هي دعائم مباني العقود و الإيقاعات و أبواب المكاسب و المعاملات، و نحن نذكر منها ما يحضرنا على عفو الخاطر و العتيد في الذهن، كاستدراك على مواد المجلة من دون استقصاء و استقراء و قد يجد المتتبع أكثر منها و إليك بيانها و تندرج في فصول.

ص: 67

(الفصل الأول) (في قواعد البيع و سائر العقود)

1- كل جملة لا يحصل أثرها الا بأخرى من آخر فهي عقد و الا فإيقاع أو اذن.

هذه ضابطة التمييز بين العقد و الإيقاع و هي مطردة في الغالب و قد وقع الخلاف في بعض الأنواع انها عقد أو إيقاع كالجعالة و الوديعة و الوصية في بعض الاعتبارات و لعل منشأ الشك أو الخلاف هو عدم لزوم القبول اللفظي فيها و كفاية القبول الفعلي أو كل ما دل على الرضا بالإيجاب كما هو الشأن في جميع العقود الجائزة.

على ان الثمرة بين كون المعاملة عقدا أو إيقاعا نادرة مثلا- الوديعة.

أمانة مالكية فإن كانت عقدا فهي عقد جائز من الطرفين فللودعي ان يعزل نفسه و يحلها فتنقلب أمانة شرعية يجب المبادرة إلى ردها و ان كانت إيقاعاً فهي إذن مجرد و ليس له عزل نفسه بل تبقى أمانة مالكية حتى يستردها المالك أو يردها الودعي متى شاء، و على كل فالبحث في ذلك قليل الجدوى.

2-: كل عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول

لفظيين مع التوالي بينهما.

3-: كل إيجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل

إلا في الوصية.

4-: كل من له القبول إذا مات قبله بطل

إلا في الوصية فإن حق

ص: 68

القبول ينتقل الى وارثه.

5- أصالة اللزوم في العقود

فكل عقد شككنا ان الشارع جعله لازما أو جائزا نبني على لزومه و إذا علمنا بأنه ذو نوعين جائز و لازم و شككنا ان العقد الذي وقع هل هو من الجائز أو اللازم نبني على انه من اللازم فإذا شككنا ان البيع الذي جرى بين زيد و عمرو هل وقع خياراً أم لا، نحكم بعدم الخيار حتى ينبت خلافه بدليل و هكذا في سائر الموارد.

كل ذلك لأصالة اللزوم في العقود المستفادة من عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و أمثالها من الكتاب و السنة و هذا أصل نافع في جملة من العقود التي يشك في لزومها و جوازها.

مثل عقد المزارعة و المساقاة و عقد القرض و غيرها فان قام دليل بالخصوص على جوازها فهو المتبع و الا فأصالة اللزوم في العقود تقضي بالحكم بلزومها

6-: أصالة الصحة في العقود

و ينفع هذا الأصل أيضاً في الشبهة الحكمية و الموضوعية فلو شككنا ان عقد المغارسة أو المسابقة المستعمل عند العرف قديماً و حديثاً هل هو صحيح شرعاً أم فاسد اي أمضاه الشارع أم لا بنينا على صحته لعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أمثالها و لو شككنا ان بيع زيد داره من عمرو كان صحيحاً أم فاسدا بنينا على صحته لأصالة الصحة، و لعل هذا الأصل يرجع الى أصل أوسع له و هو أصالة الصحة في عمل

ص: 69

المسلم بل في عمل العقلاء فإن الأصل في كل عاقل ان لا يرتكب العمل الفاسد و ان لا يأتي إلا بالعمل الصحيح غايته ان الأصل في المسلم ان لا يعمل إلا الصحيح في دينه كما ان غيره يعمل الصحيح في عرفه و تقاليده و هذا الأصل مع انه أصل عقلائي قد أيدته الشريعة الإسلامية بالأحاديث الكثيرة المتضمنة لمثل (احمل أخاك على أحسن الوجوه و لا تظن به الا خيرا).

و يؤيده سيرة المسلمين المستمرة فإنهم لا يفتشون عن المعاملات الواقعة من المسلم في بيعه و شرائه و إجارته و زواجه و طلاقه و أمثالها سواء كانت مع مسلم أو غيره بل يبنون على صحتها و يرتبون آثار الصحة عليها أجمع إلا في مقام الخصومات فيرجع الأمر هناك الى الايمان و البينات. فهذا أصل واسع نافع يجري حتى في العبادات و الطاعات فضلا عن العقود و المعاملات و هو القاعدة السابعة،

7-: أصالة حمل المسلم على الصحيح- بل العاقل مطلقاً

نعم يقع البحث و الكلام في حدودها و قيودها و مقدار مفادها و مواردها.

8- كل مبيع تلف قبل قبضته فهو من مال بائعه

يعني ان خسارته على البائع لا المشتري و يكون العقد مفسوخاً قهرا كان لم يكن و لازم الفسخ رجوع كل مال الى صاحبه و يكون تلفه عليه و الفسخ اما من حينه أو من حين التلف و تظهر الثمرة في النماء بين العقد و التلف فعلى الأول للبائع و على الثاني للمشتري

ص: 70

9- لا بيع إلا في ملك، 10-: لا وقف إلا في في ملك، 11-: لا عتق إلا في ملك 12-: لا رهن إلا في ملك

هذه القواعد الأربع مسلمة عند فقهاء الإسلام أجمع على الظاهر، و لا يقدح في الأولى مثل بيع الفضولي و الولي و الوكيل فإنهم يبيعون للمالك نعم يشكل في بيع الغاصب لنفسه إذا اجازة المالك له أو لنفسه و يندفع بأن الإجازة ان كانت هي الناقلة فلا اشكال و ان كانت كاشفة فهي تكشف عن وقوع العقد للمالك لا للغاصب فليتأمل و ربما يشكل أيضاً في الثالثة بان الرجل لا يملك عموديه فكيف لو اشتراهما ينعتقان عليه و في مثل أعتق عبدك عني و يندفع بأن الأصحاب التزموا حفظاً لهذه القاعدة ان لا تنخرم بتحقق الملكية آناً ما بحيث لا تسع غير العتق فبالشراء يملك أباه ثم ينعتق عليه قهراً قبل ان يتصرف اي تصرف بهذا العقد و كذا في الأمر بالعتق فان المالك إذا أراد عتقه عن الآمر يكون قد نقل العبد اليه و أعتقه بالوكالة عنه و بالجملة فهذه القواعد عندنا محكمة مطردة و لا استثناء لها و كلما ورد في الشرع مما هو ظاهر في خلافها فلا بد من تأويله و رده إليها، نعم يشكل الأمر في القاعدة الأخيرة [لا رهن إلا في ملك] في استعارة العين للرهن كما هو المتعارف حتى في هذه العصور و الظاهر انه من المتفق على جوازه و تطبيقه على القواعد قد يعد من معضلات الفن حتى ان بعضهم التزم بأنه ضمان محض و هو واضح

ص: 71

الضعف فان الضمان نقل مال من ذمة إلى ذمة أو اشتراك الذمم بعهدة المال و ذمة المالك المعبر لم تكن مشغولة و لم تصر بعد العارية مشغولة و يمكن التفصي عن الإشكال بأن مفاد القاعدة هو اعتبار الملك في الرهن فلا رهن إلا في ملك أي في ملك الراهن و الراهن هنا أي في العارية هو المالك المعير لا المديون المستعير و لا مانع من ان يرهن الإنسان مال نفسه على دين غيره تبرعاً، انما الممنوع ان يرهن مال غيره على دين نفسه.

فهو رهن حقيقة و عارية صورة.

و أدق من هذا و أعمق- ان المالك كما ان له ان يجعل ذمته مشغولة بدين الغير فيكون ضمانا بمعناه المعروف و يصير المال في عهدته كذلك له ان يجعل ماله مشغولا بدين غيره و يكون دين الغير في عهدة ماله بحيث لو عجز المديون عن الوفاء يكون ماله المرهون هو الذي يفي عنه فهو قد يرجع ببعض الاعتبارات الى الضمان المصطلح و لكن ضمان ذمة المال، لا ضمان ذمة الرجال، و يصح ان تقول- للرجل تارة ان يجعل المال في ذمته و اخرى يجعل ذمته في ماله، و على هذا فإن شئت فسمه ضمانا أو عارية أو رهنا و لا مشاحة في التسمية، فتدبره و اغتنمه فإنه من منفرداتنا و للّٰه المنة.

(13) كلما يصح بيعه تصح هبته، و كلما لا يصح بيعه لا تصح هبته

طرد هذه القاعدة مما لا اشكال فيه في الجملة ضرورة ان البيع مخصوص بالأعيان المالية و جميع الأعيان المالية يصح هبتها فالقاعدة الاولى موجبة كلية مطردة و لكن عكسها غير مطرد فان المنافع لا يصح

ص: 72

بيعها و لكن تصح هبتها، و لو صح بيعها لم يكن فرق بين البيع و الإجارة، كما ان كلية الأولى قد تشكل في مثل السلم فإن الكلي الموصوف يصح بيعه و لا يصح هبته،

(14) كلما صحت إجارته صحت عاريته، و ما لا يصح- لا يصح

الظاهر ان هذه القاعدة صحيحة مطردة في عكسها و طردها فان متعلق الإجارة و العارية و ان كان هو العين و لكن باعتبار المنافع فكل عين يصح إجارتها لمنافعها صحت إعارتها لذلك و كذا العكس نعم قد يشكل في العين الموقوفة ضرورة انه يصح إجارتها، و لا يصح إعارتها و يندفع- أولا. بمنع عدم صحة إعارتها فان للمرتزقة ان يعيروها لمن شاءوا كما ان لهم ان يهبوا منافعها لمن أرادوا و ثانياً لو سلم عدم الجواز فهذا أمر عرضي و القاعدة تنظر إلى الأشياء بعناوينها الأولية لا التي تلحقها ثانياً و بالعرض فليتدبر.

(15) كلما صح بيعه صح رهنه- و ما لا- فلا-

هذه الكلية مسلمة في طردها لا اشكال فيها لان البيع كما عرفت يختص بالأعيان و كل عين ذات مالية- يصح بيعها كما يصح رهنها انما الكلام في عكسها و هي أيضاً مسلمة بناء على المشهور من عدم صحة رهن المنافع نعم يبقى الإشكال في الدين فإنه يصح بيعه و لا يصح رهنه، لاختصاص الرهن عندهم بالأعيان الخارجية و لذا جعلوا القبض شرطا في صحة الرهن عند بعض و في لزومه عند آخرين و استدلوا بقوله تعالى (فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ) و في الخبر: لا رهن الا مقبوضا فتكون القاعدة مطردة في عكسها لا في

ص: 73

طردها لأن الرهن حينئذ أضيق دائرة من البيع و في هذه القضية أبحاث دقيقة، و تحقيقات وسيعة، لا مجال لذكرها في هذا المختصر، و خلاصة ما عندنا فيها من التحقيق ان القبض لا نراه شرطا في الرهن أصلا لا في صحته و لا في لزومه و المراد بالقبض في الآية و الخبر اعتبار كون الرهن عينا صالحة للقبض فعلا اي حين العقد فإذا وقع إيجاب الرهن و قبوله وجب على الراهن تسليم العين المرهونة إلى المرتهن وثيقة على دينه كما يجب في البيع تسليم المبيع بعد العقد فالقبض من آثار العقد لا من شروطه و لا يكفي في الرهن كونها عينا فقط و ان لم تكن صالحة للقبض فعلا كما في البيع و من هنا يتجه إمكان القول بصحة رهن الدين إذا كان حالا أو اشتراط حلوله بحيث يمكن قبضه حين الرهن فاغتنم و تدبر.

(16) كلما يكال أو يوزن لا يصح بيعه قبل قبضه

و خصه الأكثر بالطعام لما روي عن النبي انه قال (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه) و علله بعض فقهاء الجمهور بضعف الملك قبل القبض لانه لو تلف انفسخ البيع بقاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه المتقدمة فيتوالى الضمانات في شي ء واحد.

و في هذه القضية أقوال كثيرة و مباحث طويلة موكولة إلى محلها

(17) الأصل في العقود الحلول إلا مع الشرط في غير الربوي

يعني إذا باع داره بمائة دينار مثلا و أطلق أو آجرها كذلك فالأصل يقتضي تسليم الثمن نقداً الا ان يشترط تأجيلها إلا في الربويات فإن التأجيل يبطلها فلو باعه مناً من الحنطة بمثلها أو بمن من الشعير الى شهر

ص: 74

أو سنة بطل لأن الربويات يجب بيعها مثلا بمثل يدا بيد و كذا في الصرف و نظائره مما يجب فيها التقابض في المجلس و يبطلها التأجيل،

(الفصل الثاني في أحكام الشروط)

(18) الشرط جائز بين المسلمين الا ما أحل حراما أو حرم حلالا

هذه من النبويات أيضا و مثلها

(19) المؤمنون عند شروطهم الا ما خالف كتاب الهّٰو (20) الشرط أملك عليك أم لك

و هذه توضح المراد من الجواز في الاولى و (عند شروطهم في) الثانية و ان المقصود منه هو النفوذ و اللزوم (جاز بمعنى نفذ) لا الجواز بمعناه المعروف. و معنى كون المؤمن عند شرطه انه لا ينفك عن شرطه و لا يتخلف عنه بل هو ملتزم به ابدا. و في تعليق الظرف على المؤمن و إسناده إليه إشارة إلى ان الايمان يلازم الوفاء بالعهد و الالتزام و ان من لا يفي بعهده فليس بمؤمن، و بالجملة فهاتان الجملتان من جوامع كلمه صلوات اللّٰه عليه و يقع البحث و النظر في فقه الحديثين و ان المراد بما خالف كتاب اللّٰه أو أحل حراما أو حرم حلالا- ما ذا- هل هو تحليل الحرام بمعنى التشريع مثل ان يشترط عليه ان يجعل شرب الخمر المحرم على المكلف

ص: 75

له. أو يشترط عليه ان يشرب الخمر على حرمته و يتفرع على هذا انه لو شرط بائع الجارية على المشتري ان لا يطأها أو لا يمسها و نحو ذلك أو شرطت الزوجة في عقد النكاح على الزوج ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها و نحو ذلك، فهل مثل هذه الشروط باطلة لأنها تحرم حلالا أولا بل المراد تحريم الحلال الذي علم من الشرع عدم صلاحيته للتغيير و عدم تأثير شي ء عليه مثل الإرث و التسري و التزويج بأكثر من واحدة فلو شرطت عليه ان لا يورث أولاده أو لا يتسرى أو لا يتزوج بغيرها كان باطلا لانه يحرم حلالا غير صالح لان يتغير بالشرط بخلاف اشتراط ان لا يسافر بها أولا يخرجها من بيت أبيها و أمثالها من المباحات ذاتاً و تكون بالشرط واجبة الفعل أو الترك و الا لبطلت الشروط و لم يبق لها مورد و للفقهاء في هذه المشكلة مباحث مطولة و آراء متضاربة شحنوا بها مطولاتهم. و زبدة ما عندنا من الحل فيها بعد الغربلة و التمحيص- ان اشتراط شي ء من المحرمات الذاتية أو العرضية كما لو باعه و اشترط عليه شرب الخمر أو مخالفة النذر أو الصيد في الإحرام أو وطئ زوجته الحائض نظائر ذلك فهو باطل بلا إشكال لأنه شرط يحلل حراما ثم اختلفوا انه يبطل العقد أولا: و قد عرفت ان الأصح ان مثل هذه الشروط الباطلة غير مبطلة، و اما اشتراط ترك شي ء من المباح كترك الطلاق أو ترك الزواج أو عدم السفر، و ما الى ذلك من أنواع الحلال فله صورتان (الاولى) ان يكون متعلق الشروط ذوات الافعال مع قطع النظر عن أحكامها بأن يشترط في العقد نفس الفعل أو عدم الفعل

ص: 76

فيكون الفعل أو عدمه لازما بالشرط و ان كان مباحا بالذات مثل ان تشترط عليه ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها. و أمثال ذلك (الثانية) ان يكون متعلق الشروط الافعال باعتبار ما لها من الاحكام شرعا تكليفا أو وضعا فيكون الغرض من الشرط في الغاية قلب الحكم الشرعي و تغييره فتكون الشروط على هذا مشرعة مثل ان تشترط في عقد النكاح ان يجعل الزواج بغيرها أو طلاقها حراما عليه أو يجعل إرثها ثلثا من تركته لا ربعا أو ثمنا إلى أمثال ذلك من الشروط المغيرة لنفس الحكم الوضعي أو التكليفي و هذه هي الشروط التي تحرم الحلال و تخالف كتاب اللّٰه و شريعة الإسلام لا الذي هو على الصورة الاولى و الا لكانت الشروط كلها باطلة و لم يبق للشروط الصحيحة مورد كما سبق.

(21) كل شرط تقدم العقد أو تأخر فهو باطل

الشروط المتفق على لزومها بلزوم العقد بعد فرض صحتها و يكون تخلفها موجبا للخيار هي التي تقع في ضمن العقد. اما التي تتقدم فان وقع العقد مبنيا عليها كما لو قال بعتك على الشروط المتقدمة لزمت و كانت كالمذكورة في العقد و اما التي تتأخر بعده بفاصل معتد به بحيث يكون منفصلا عن العقد فلا اثر لها و لا ترتبط بالعقد أصلا

(22) شرط اللّٰه أحق و أسبق و الولاء لمن أعتق

هذه أيضا من النبويات قالها صلوات اللّٰه عليه لما اشترت عائشة بريرة و اشترط مواليها ان لهم ولائها عند عتقها فقال (ص): شرط اللّٰه أحق و أسبق، و الولاء لمن أعتق.

ص: 77

يعني ان هذا شرط يخالف ما شرعه اللّٰه في طبقات الإرث فإن أسباب الإرث نسب أو سبب و السبب اما مصاهرة أو ولاء أو امامة و الولاء هو ولاء المعتق و لا يمكن ان يتغير بالشرط فيكون لغيره كما لا تتغير سائر أسباب الإرث

(23) شرط الواقف كنص الشارع

هذه القاعدة مأخوذة من الحديث المشهور الوقوف على ما يوقفها أهلها يعني انه يجب الاقتصار عليها و عدم التعدي حسب الإمكان فلو لم يمكن أو كان في الاقتصار ضرر على الوقف أو المرتزقة جاز التعدي عنها على خلاف بين الفقهاء لا محل لذكره

(24) كل عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه فهو باطل

لا إشكال في ان الشرط الذي ينافي مقتضى العقد باطل بل و يبطل العقد لانه يستلزم عدم الجزم بمضمون العقد، انما الكلام و البحث في تشخيص منافي مقتضى العقد من غير المنافي و تعيين الضابطة الكلية في المقام فلو باعه العبد و شرط ان لا يعتقه أو باعه الدار و شرط عليه ان لا يبيعها أو لا يرهنها، و أمثال ذلك مما يسلب سلطنة المالك عن بعض التصرفات فإنها شروط صحيحة اتفاقا مع أنها تنافي مقتضى العقد و (التحقيق) ان المراد بالمنافي الذي يبطل و يبطل العقد هو ما ينافي جوهر العقد و حقيقته مثل ان يبيعه بشرط ان لا يملك أو بشرط ان لا يتصرف أصلا أو آجره الدار بشرط ان لا يتصرف في منافعها فان مثل هذه الشروط تعود إلى إبطال صميم العقد و تؤدي الى شبه التناقض

ص: 78

و مرجعها الى اني بعتك و ما بعتك و آجرتك و ما آجرتك، اما لو باعه و اشترط عليه ان لا يبيع أو لا يرهن أو آجره و اشترط عليه ان لا يؤجر و أمثالها فهي لا تنافي صلب العقد و حقيقته و انما تنافي إطلاقه يعني ان العقد إذا أطلق كان له السلطنة التامة المطلقة على المبيع و لو قيد كان له السلطنة المقيدة اما لو سلبه مطلق السلطة بطل و الفرق واضح بين مطلق السلطنة و السلطنة المطلقة و الشرط بالنحو الأول باطل و بالنحو الثاني صحيح و هذا في كثير من العقود و أكثر الشروط واضح، و التمييز بينهما بين و لكن قد يشكل في كثير من المقامات مثل ما لو تزوجها بشرط ان لا يطلقها فإنه شرط صحيح و لا ينافي مقتضى العقد بل ينافي إطلاقه و لو تزوجها بشرط ان لا يطأها أبدا ففي مثل هذا الشرط يقع الإشكال في انه مناف لجوهر العقد و حقيقة أولا طلاقه، و في أمثال هذا تظهر فقاهة الفقيه و قوة استنباطه و دقة نظره و لطف قريحته.

ص: 79

(الفصل الثالث) في القواعد المختصة بالخيارات و احكام الخيار

(25) البيعان بالخيار ما لم يفترقا. فإذا افترقا وجب البيع

هذه أيضاً من النبويات المتسالم على صحة روايتها عند عامة المسلمين و لعلها من المتواتر و يثبت بها أول خيار في عقد البيع و هو خيار المجلس الذي اتفقت عليه الإمامية و أكثر المذاهب استناداً الى ان ظاهر الافتراق هو التفرق بالأبدان و هو المتبادر منه لغة و عرفا فيكون معنى الحديث ان البائع و المشتري لهما الخيار بعد اجراء العقد الى ان يفترقا و ما داما مجتمعين في مجلس العقد فالخيار باق لهما فإذا تفرقا صار البيع لازما لا خيار فيه من هذه الجهة و عليه فلا مجال لإنكار خيار المجلس و حمل الحديث على معنى بعيد لا يساعد عليه عرف و لا لغة

(26) المعيوب مردود

تومي هذه القاعدة إلى خيار العيب و يمتاز عن سائر الخيارات بان المعيب ثمنا أو مثمنا يوجب الخيار بين الفسخ أو الإمضاء بالأرش و قد يتعين الأرش في بعض الموارد كما لو حدث عيب جديد يمنع من الرد و قد يتعين الفسخ أو الإمضاء بغير أرش كما لو أحاط الأرش بالثمن فإن أخذه يستوجب الجمع بين العوض و المعوض فيتعين الفسخ أو الإمضاء

ص: 80

بقبوله معيبا و لا يمكن المطالبة، و هنا مباحث جمة و تحقيقات مهمة، عسى أن تأتي الإشارة إلى يسير منها في بابها من هذا الكتاب

(27) الخيار في الحيوان ثلاثة ثم لا خيار

تفيد هذه القاعدة (و لعلها نص الحديث) خيار الحيوان و هو أحد الخيارات المشهورة و فيه جهات للبحث عند الفقهاء كثيرة منها انه هل يختص بمشتري الحيوان لم يعم بايعه، و هل يختص بعقد البيع أم يعم سائر العقود الناقلة

(28) التصرف مسقط للخيار

لا خلاف عندنا ان تصرف ذي الخيار فيما له الخيار فيه مسقط لخياره و الاخبار به مستفيضة إنما الكلام في مقدار التصرف المسقط فقيل كل تصرف حتى ركوب الدابة و لو قليلا و استخدام العبد و لو بمثل اسقني الماء. و قيل بل خصوص التصرفات التي لا تصح من غير المالك كتقبيل الجارية و بيعها و رهنها و الفقهاء هنا بين إفراط و تفريط و الا وفق بالاعتبار و الجمع بين الاخبار ان كل تصرف دال على الرضا و الالتزام بالعقد فهو مسقط للخيار و إلا فلا. فلو ركب الدابة يريد اختبارها و استخدم العبد يريد امتحانه لم يسقط خياره

(29) التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له

مثلا لو تلف الحيوان عند المشتري في الثلاثة و قلنا باختصاص الخيار به دون البائع فالتلف بمقتضى هذه القاعدة على البائع و يسترجع المشتري الثمن منه و لازمة انفساخ العقد قبل التلف آنا ما حتى يكون

ص: 81

التلف في ملك البائع و يرجع الثمن إلى المشتري حسب ما يستدعيه كل فسخ أو انفساخ و الا فليس من المعقول ان تلف مال شخص يكون ضمانه على آخر قهرا عليه و هذه القاعدة نظير أختها المتقدمة- كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و الفرق بينهما ان التلف هناك قبل القبض و هنا بعده و الكلام في ان الفسخ من حين العقد أو من حين التلف عين ما تقدم.

(30) كل خيار فإنه يزلزل العقد

اتفق الإمامية على ان العقد الخياري يقع متزلزلا و ان كانت آثار العقد تترتب من حينه من الانتقال و الملكية و وجوب التسليم و غيرها غايته انه لو فسخ صاحب الخيار انحل العقد و رجع الثمن إلى المشتري و المثمن إلى البائع و يقع الكلام حينئذ ان الفسخ هل هو من حينه أو ينحل العقد من أصله و يترتب على ذلك قضية المنافع من حين العقد الى حين الفسخ و على الأول تكون منافع المبيع في تلك المدة للمشتري و منافع الثمن للبائع و على الثاني بالعكس و نسب الى بعض أعاظم فقهاء الإمامية ان العقد لا يؤثر إلا بعد انقضاء زمن الخيار لازما و صيرورة العقد و هو غريب شاذ و على كل فالعقد الخياري يقع مراعى فاما ان ينحل و ينتقض أو يلزم و يبرم ثم ان الجواز و اللزوم قد يتعاوران على العقد و ذلك في شرط الخيار فقد يشرط الخيار لنفسه بعد سنة في ثلاثة أيام فإذا مضت الثلاثة و لم يفسخ لزم فهو جواز بين لزومين و لو شرط له خيارا بعد خيار المجلس بشهر، مثلا فيكون لازما في الشهر فقط فهو لزوم بين

ص: 82

جوازين و ربما يتحقق أمثال هذا في غير خيار الشرط من أنواع الخيارات كما يظهر للمتتبع النبيه

(31) الأصل في الخيار الفورية

حيث قد عرفت ان الأصل في العقود اللزوم سيما البيع فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بمقدار اليقين فإذا دل الدليل على الخيار في الجملة لزوم الاقتصار على المتيقن و هو الفور فان فسخ ذو الخيار فورا و إلا صار العقد لازما نعم لو كان في دليل الخيار دلالة على التراخي صراحة أو إطلاقا امتد زمن الخيار بمقدار ما يدل عليه الدليل و من هنا قسموا الخيار من حيث الفور و التراخي إلى ثلاثة أنواع (الأول) ما هو على التراخي اما من نفس دليل الجعل كخيار المجلس و خيار ثلاثة الحيوان و خيار ثلاثة التأخير و خيار العيب أو بجعل المتعاملين كخيار الشرط و شرط الخيار (الثاني) ما هو على الفور كخيار الرؤية على المشهور فإذا باع عينا بالوصف ثم وجدها على خلافه كان له الفسخ فورا فان لم يفسخ لزمه العقد و لكن إطلاق بعض الاخبار قد يستفاد منه التراخي على اشكال (الثالث) ما يصلح لكل منهما و هو الخيار المجعول بجعلهما كخيار الشرط كما عرفت اما خيار الغبن أو العيب فقيل على الفور و لعله المشهور و قيل على التراخي و هو الأقرب عندنا.

ص: 83

(الفصل الرابع) في الدين و الرهن و الضمان

اشارة

الدين في مقابل العين و هو اشتغال الذمة بكلي للغير أو الكلي الذي اشتغلت به الذمة للغير، مثلًا إذا اشتغلت الذمة بدرهم فهو كلي لأن كل درهم في الخارج يصلح ان يكون مصداقا له و التعيين في الوفاء للمديون، و سبب اشتغال الذمة يكون اختيارياً تارة كما في العقود مثل القرض و البيع و الإجارة و نحوها، و قهرياً اخرى كالواجبات المالية الشرعية مثل الكفارات و الضمانات و النفقات و غيرها. و يكون حالا و مؤجلا حسب الجعل. و الرهن هو الوثيقة على الدين، و يمكن جعل الوثيقة على العين كالعارية و المقبوض بالسوم و نحوها و لكن لا يسمى رهنا. اما الضمان فهو عند الجمهور اشتغال الذمم بحق واحد فهو عندهم من الضم و النون زائدة فيصح ان يقال انه ضم ذمة إلى أخرى. و عند الإمامية انتقال الحق أو نقل الحق من ذمة إلى أخرى فهو من الضمن و النون اصلية و المراد بالحق المضمون هو الدين أي الحق الثابت في الذمة فعلا أو بالقوة القريبة كدرك الثمن أو المثمن و كنفقة الزوجة مدة شهر

ص: 84

أو سنة و هذا هو الذي يصح الرهن عليه و من هنا تتجه القاعدة

(31) كلما جاز الرهن عليه جاز ضمانه

و هي كلية مطردة في طردها، اما عكسها و هو مالا يجوز الرهن عليه لا يجوز ضمانه فقد ينفض بدرك المبيع فقد قيل انه لا يجوز الرهن عليه لاستلزامه بقاء الرهن في الغالب مؤبدا لجواز ان لا يظهر له مستحق بخلاف الضمان فإنه لا محذور فيه و لا يخفى ما فيه.

(32) كل دين حال لا يتأجل

تأجيل الحال يحتاج الى سبب جديد و هو نادر منها اشتراط تأجيله في عقد لازم. و منها ضمان الغير له مؤجلا.

(33) كل دين مؤجل لا يكون حالا

الا برضاهما أو موت المديون للخبر المشهور (إذا مات الميت حلت ديونه) و سره زوال ذمته بموته فينتقل الحق في ماله و هذا نظير ما ذكرنا سابقاً من اشتغال ذمة المال لا ذمة الرجال يعني انتقل الحق من ذمته الى تركته

(34) الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف

الظاهر انه حديث أو مضمون حديث و الأصل و الاعتبار أيضاً يقتضي ذلك إذ لو أطلق التصرف للراهن في العين المرهونة كما كان قبل الرهن زال الوثوق، اما المرتهن فليس له الا حق استيفاء دينه من الرهن لو امتنع الراهن عن الأداء فالعين و منافعها لا تزال ملك الراهن و ان كان ممنوعا من استيفائها بنفسه

ص: 85

(35) المرهون غير مضمون الا مع التعدي أو التفريط

لان العين المرهونة عند المرتهن امانة و الامانة لا تضمن إلا بالتعدي أو الشرط

(36) المرتهن أحق برهنه

و هذه احدى فوائد الرهن فان الراهن إذا أفلس أو مات و قصرت أمواله عن ديونه يضرب الغرماء في تركته بالنسبة، و لكن المرتهن يأخذ تمام دينه من الرهن فيبيعها هو أو الورثة أو الحاكم فان زاد ضمه إلى الأموال للغرماء و ان نقص ضرب معهم بالناقص

(37) الكفيل غارم

فإذا عجز المكفول أو أعسر أو تمرد غرم الكفيل اى تعين للغرامة و هذا على رأي الجمهور في الضمان و الكفالة و اما عند الإمامية فالمكفول تبرأ ذمته من حين الضمان و ينتقل الحق إلى ذمة الضامن.

ثم ان الضمان يستعمل في اصطلاح الشرع و المتشرعة و الفقهاء في معنيين.

(الأول) ما سبق من ضم ذمة إلى ذمة أو انتقاله من ذمة إلى أخرى.

(الثاني) غرامة المال و كون خسارته عليه و لكن لما كان خسارة مال كل إنسان عليه لم يكن معني لاستعمال الضمان بهذا المعنى لأن الإنسان لا يملك على نفسه شيئا لذلك لم يستعمل الضمان فيه الا نادرا و اختص استعمال الضمان في الأكثر بما إذا تحمل إنسان خسارة تلف

ص: 86

مال غيره فيقال هو ضامن لفلان اي يملك على ذمته غرامة ماله و يمكن اندراج المعنيين تحت عنوان واحد جامع و هو ان حقيقة الضمان هو كون مال إنسان في عهدة آخر فيندرجان تحت ضمان العهدة و حيث انه على خلاف الأصل ضرورة ان الأصل عدم تحمل إنسان لعهدة مال غيره فلا يتحقق الضمان مطلقا و بأي معني كان إلا بأسباب خاصة بعضها اختياري كالضمان بالمعنى الأول و بعضها قهري و ان كانت بعض مقدماته اختيارية أو لا اختيار فيه أصلا كالضمان بالمعنى الثاني و له أسباب شرعية كثيرة و يساعد اعتبار العقلاء على سببيتها للضمان أيضاً. و أقوى تلك الأسباب و أكثرها موارد هي اليد.

(38) قاعدة اليد

المأخوذة من الحديث النبوي المشهور (على اليد ما أخذت حتى تؤدي). و هي أيضاً من النبويات البليغة و جوامع كلمه صلوات اللّٰه عليه و كتب فيها علماؤنا الأعلام رسائل منفردة و شروحا ضافية و لا مجال هنا لبسط القول فيها و خلاصته ما تدل عليه ان كل من وضع يده على مال غيره ظلماً و عدوانا أو جهلا و نسيانا أو غير ذلك فهو ضامن له اي يكون عهدة ذلك المال عليه حتى يرده الى صاحبه و لازم ضمان العهدة أي كون المال في عهدتك ان ترده الى مالكه ان كان المال موجودا و ان تلف تتداركه برد المثل أو القيمة إليه فتوديه اليه ببدله بعد تعذر عينه فاليد سبب للضمان بهذا المعنى و يتفرع على ذلك قضية ترتب الأيادي على العين الواحدة فالغاصب مثلا إذا باع العين المغصوبة ثم انتقلت من يد الى يد

ص: 87

فكل واحد منهم ضامن و لكن على البدل بمعنى ان للمالك الرجوع على اي شخص منهم و يرجع كل منهم على الآخر و يكون قرار الضمان على من تلفت العين في يده، و لنا في هذا البحث تعليقات نفيسة على كلمات الأصحاب و مباحث دقيقة في هذه القاعدة لا يسمعها هذا المختصر

(السبب الثاني) (39) قاعدة الغرور

المستفادة من بعض الأحاديث و اعتبار العقلاء المعبر عنها بقولهم:

(المغرور يرجع على من غره) فلو قدم لك شخص طعاما لتأكله مجاناً أو دابة لتركبها ثم ظهر انها لغيره فله ان يطالبك بالقيمة أو الأجرة و عليك ان تدفعها له و ترجع بما دفعت على من غرك و أغراك بأنه طعامه و قد بذله لك و هكذا أمثال ذلك في جميع الأبواب فالغرور من أسباب الضمان كاليد، و ينفك الغرور عنها في الموارد التي لا يد هناك و بينهما عموم من وجه كما لا يخفى و أبواب الغرور المجرد في البيوع و الإجارة و غيرها كثيرة، و يشبه ان يكون من باب التسبيب كالقاعدة الآتية.

(40) الإتلاف

و هو السبب الثالث من أسباب الضمان و هو ينفك أيضاً عن سابقيه و مدركه القاعدة المستفادة من الاخبار أيضاً و هي (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) و هي عامة أيضاً كقاعدة اليد، يعني ان التلف كالإتلاف يجري

ص: 88

في العالم و الجاهل و العامد و الغافل، و الناسي و الذاكر، و الصبي و البالغ نعم التلف يختص باليد و يعم السماوي و غيره. كما ان الإتلاف يعم ما لو كان تحت اليد أو لم يكن.

(41) الاحترام

من أسباب الضمان احترام عمل المسلم، فمن عمل عملا لمصلحتك مع الاذن من حاكم الشرع أو مطلقا أو أمرته بان يعمل لك عملا فقام فليس معناه انه عمله مجاناً بل عليك اجرة المثل له لان عمل المسلم محترم إلا إذا قصد التبرع أو صرح بذلك فلو اختلفا في صورة عدم التصريح فالقول قوله لأنه أعرف بقصده و لا يعلم الا قبله

(42) ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

من أسباب ضمان مال الغير قبضه بعقد معاوضة فاسد و عقود المعاوضات كلها ضمانية فالبيع مثلا صحيحه مضمون بالثمن المسمى ففاسده مضمون أيضاً، و لكن بالمثل أو القيمة فلو قبض المشتري المبيع بالبيع الفاسد و تلف في يده مع جهل البائع بالفساد كان مضمونا عليه اى على المشتري لأن البيع صحيحه مضمون، ففاسده أيضاً مضمون بمثله أو قيمته، و الهبة و أمثالها من عقود الارتفاق و المجان صحيحتها غير مضمون ففاسدها غير مضمون فلو قبضت عينا بالهبة الفاسدة لا تضمنها لان صحيحها غير مضمون ففاسدها غير مضمون. و مثلها الوقوف و الصدقات و أضرابها. و لكن التحقيق ان سبب الضمان في البيع الفاسد

ص: 89

و نظائره هو قاعدة اليد و سبب عدم الضمان في الهبة و إخوانها هو التسليط المجاني المسقط لضمان اليد كما سيأتي قريباً و البحث المستوعب في هذه القاعدة موكول الى محله و حيث عرفت أشهر أسباب الضمانات و أشيعها فاعلم أن للضمانات مسقطات أهمها و أقومها- الأمانات

(43) الائتمان مسقط للضمان

وضع اليد على مال الغير يقتضي الضمان حسب ما عرفت و لكن إذا دفعه إليك مؤتمن سواء كان بصفة الامانة المجردة كما لو كان الدفع لمصلحته فقط كالوديعة التي هي استنابة في الحفظ فقد سقط الضمان قطعا فلا ضمان بتلفها الا مع التعدي و التفريط و هما في الحقيقة إتلاف و الا فضمان اليد ساقط قطعا، أو كان أمانة مختلطة كما لو كان الدفع لمصلحة الطرفين مثل العين المستأجرة و مال القراض (المضاربة) و نظائرها أو كانت متمحضة للقابض كالعارية. فحكم الجميع عدم الضمان للائتمان و ليس على الأمين غير اليمين. فالضمانات لا تجتمع مع الأمانات أصلا و لكن بالحد الذي عرفت من الضمان فتدبره جيداً

(44) الاذن مسقط للضمان

هذا هو المسقط الثاني فإن الاذن من الشارع أو من المالك و ان لم يكن بصفة الأمانة الخاصة أو العامة يسقط الضمان كما لو اذن لك في أكل ماله أو عتق عبده عن نفسك أو ركوب دابته و عطبت ففي كل ذلك لا ضمان و ان كان مقتضى الضمان في الجميع قائما و هو اليد و لكن الاذن مانع و مثله الإذن الشرعي و هو الأمانات الشرعية لا المالكية كاللقطة

ص: 90

و مجهول المالك بل و مال اليتيم عند الولي و مال الغائب عند الحاكم و هكذا اليد تقتضي الضمان و الاذن الشرعي يسقطه فتدبر هذا.

(45) التسليط و الاقدام يسقط الاحترام

مال المسلم و عمله كما عرفت محترم و مقتض للضمان، و لكن لو عمل لك عملا بدون إذنك أو مع نهيك أو باعك بالبيع الفاسد و سلطك على المبيع مع علمه بالفساد فاتلفته أو تلف من نفسه عندك سقط الضمان عنك و لا يستحق الثمن و لا الأجرة لأن التسليط و الاقدام قد أسقط احترام ماله و عمله و إذا سقط الاحترام سقط الضمان. نعم لو كانت العين موجودة كان له استرجاعها طبعا،،، هذه أهم أسباب السقوط بعد الاسقاط و الوفاء و الدفع أو الإبراء، كما ان تلك أهم أسباب الضمان عدا ضمان الدرك و أشباهه، مما لا يندرج في عنوان الضمان بالمعنى الذي ذكرناه من كونه تلف مال شخص على آخر و ضمان العهدة يشمل الكل و يعم الجميع فتدبره.

(الفصل الخامس) في قواعد عامة متفرقة يبتني عليها جمهرة من الفروع

(46) قاعدة السلطنة

التي تستفاد من النبوي (الناس مسلطون على أموالهم) و يترتب عليها كثير من الاحكام، مثلا للإنسان أن يتصرف في داره كيف شاء

ص: 91

و يفتح شبابيك في جداره و لو مع الاشراف على جاره و ليس للجار منعه لان الناس مسلطون على أموالهم الا ان يستلزم ذلك الإضرار بالجار فيرفع لقاعدة لا ضرر الحاكمة على قاعدة السلطنة. نعم لو تعارض الضرران رفعت القضية الشخصية إلى حاكم الشرع لينظر اي الضررين أخف فيقضي به أو يجد منفذا يتخلص منه الى الجمع بين الحقين و ارتكاب أهون الأمرين

(47) قاعدة الجهالة و الغرر

اتفق الكل على ان الجهالة في العقود اللازمة كالبيع و الإجارة و نحوهما مبطلان للعقد يعني انه لا يصح مع الجهالة في أحد العوضين و التعيين و العلم شرط في صحة العقود بل الإيقاعات في الجملة فلو باعه بعشرين و لم يعينها دراهم أو دنانير أو باعه كتابا و لم يعينه بشخصيته أو بوصفه الرافع للجهالة لم يصح العقد، كما انه لو قال احدى نسائي طالق أو أحد عبيدي حر لم يقع طلاق و لا عتق، و هذا مما لا اشكال فيه عند عامة المسلمين في الجملة، و يؤيد الإجماع الشرعي و العقلائي الحديث النبوي المشهور. نهى النبي عن الغرر. أو نهى النبي عن بيع الغرر. إنما الاشكال و البحث و الجدال في ضابطة الغرر و الجهالة و قد اضطربت كلمات الفقهاء و اللغو يبن في تعريفه و تحديده و يتفرع على ذلك فروع كثيرة يختلف حكمها باختلاف معنى الغرر، و ان مجهول الوجود أو الحصول أو العين أو الصفة أو المقدار لا يصح بيعه. و سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء اللّٰه.

ص: 92

(48) قاعدة الإحسان

المستفادة من قوله تعالى (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ). و يتمسك بها في موارد كثيرة مثل ما لو أودع عندك شخص وديعة و خشيت عليها من التلف فنقلتها الى مكان حريز تأمن عليها فيه و صرفت على نقلها مالا فإنك تستحق الرجوع به على المالك، و ان لم يأذن لك فيه و لكنك محسن و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) بل يمكن القول بان لك حق سعيك و عملك لان عمل المسلم محترم ان لم تقصد التبرع. و هذا مما يساعد عليه العقل و العرف و الاعتبار سيما في اللقيطة حيوانا أو إنسانا حرا أو عبدا فيجوز بل قد يجب على الملتقط ان ينفق عليها خوف الهلاك و يرجع بها على صاحبها لو وجده بعد ذلك و من قيمتها ان لم يجده بعد سنة و لكن بمراجعة حاكم الشرع و ان كان حرا فمن عمله أو من بيت المال.

(49) قاعدة نفي السبيل

المستفادة من قوله تعالى. (لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) و فرعوا عليها عدم جواز بيع العبد المسلم و الأمة من الكافر و لا تزويجها منه فضلا عن تزويج الحرة المسلمة و الحق بعضهم به بيع المصحف منه

(50) قاعدة عموم التكليف

و يعبرون عنها بان الكفار مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالأصول. و مقتضى هذه القاعدة ان الكافر إذا أسلم يجب عليه ان يقضي جميع ما فاته من بلوغه إلى إسلامه من صلوات و صيام و زكوات و غيرها و لكن يسقط عنه جميع ذلك ببركة-:

ص: 93

(51) قاعدة الجب

المستفادة من قوله صلوات اللّٰه عليه (الإسلام يجب ما قبله) و كانت معاملته (ص) مع المشركين و غيرهم من الكتابيين الذين يدخلون في دين الإسلام تشهد بذلك و لا يكلفه بقضاء شي ء مما مضى من الحقوق الإلهية و لا يبقى عليه الا حقوق البشر من الديون و نحوها. اما الحقوق المالية كالزكوات و نحوها فعند المشهور تسقط و لعل القواعد تأتى

(52) الأوصاف لا تقابل بالأعواض

الاعواض هي الأعيان القائمة في الوجود بنفسها من نقود و عروض أو ما يتحصل منها كالمنافع، و الأوصاف هي الأعراض التي لا تستقل بالوجود و انما يتقوم وجودها بوجود غيرها و ذلك كعوارض الكم و الكيف و إخوانها من المقولات و الأعيان هي التي تقابل بالمال في نظر العرف و تكون ثمنا لما هو مثلها في كونه عينا و جوهرا فالعين تقع في مقابل العين و الثمن يقع بإزاء المثمن، اما الأوصاف التي هي إعراض و ليس لها وجود مستقل فلا يقع شي ء من الثمن بإزائها كما يقع في مقابل العين و بتوزع على أبعاضها الحقيقية أو الاعتبارية، مثلا- إذا اشتريت فرسا بشرط كونها أصلية بمائة دينار أو عبدا بشرط كونه كاتبا فهي بأجمعها في مقابل العبد أو الفرس لا في مقابل العبد و كتابته فلا يتقسط شي ء من الثمن على الكتابة كما تتقسط على جوارحه، نعم الكتابة و سائر الأوصاف الحسنة في العبد و في الخيل تزيد في قيمتها أي في قيمة عينها و يظهر اثر ذلك فيما لو تخلف الوصف المشترط في العقد فان تخلفه يوجب

ص: 94

الخيار بين الفسخ أو الإمضاء بالثمن و ليس له المطالبة بالتفاوت كما في خيار العيب الذي يوجب نقصا في أصل الخلقة فيكون اما فقد جزء أو فقد ما هو بمنزلة الجزء فإن السلامة كشرط ضمني إليه ينصرف إطلاق العقد و لا يرتفع أثره إلا بالبراءة من العيوب فلو ظهر المبيع معيبا بمرض و نحوه كان للمشتري المطالبة بالأرش فوصف السلامة غير أوصاف الكمال و ربما يأتي مزيد بيان لذلك في محله بتوفيقه تعالى

(53) من أحيا أرضاً ميتة فهي له

هذا أيضا من الأحاديث النبوية المشهورة و يدل بإطلاقه ان الأرض التي ليس لها مالك مخصوص، أو لا يعرف مالكها بالخصوص المفتوحة عنوة أو غيرها إذا أحياها إنسان ملكها و هذا متفق عليه في الجملة إنما الكلام أو لا في انه هل يحتاج الإحياء إلى إذن الامام أو السلطان أم لا و وجه الأول ان الأنفال هي للإمام و الخراجية و ان كانت للمسلمين و لكن أمرها أيضاً راجع الى الامام لأنه ولي المسلمين فلا بد من استيذانه بالتصرف فيها و تقبلها منه. و وجه الثاني ان ورود أمثال قوله (ع) من أحيا أرضاً ميتة فهي له كإذن عام و تمليك للمحيي و (ثانياً) ان الاحياء هل يفيد ملكية أبدية كسائر الاملاك أم تدور مدار بقاء الاحياء فلو عادت الى الخراب خرجت عن ملكه أم لا و تحقيقه موكول الى محله

(54) النهي في العبادات يقتضي الفساد مطلقا و في المعاملات في الجملة

ص: 95

اما وجه دلالته على الفساد في العبادة فواضح ضرورة ان العبادة روحها القربة و ان يكون العمل مقربا و النهي يقتضي كونه مبغوضا و المبغوض لا يصلح ان يكون مقربا. اما في المعاملات فالنهي لا يخلو اما ان يكون لذات المعاملة أو لركنها أو غير ركن من أجزائها أو لو صفها اللازم أو لوصفها المفارق أو لأمر خارج عنها اما النهي لذاته فمثل قوله (ع) (لا تبع ما ليس عندك). و (لا بيع إلا في ملك)، و اما لأركانها فمثل قوله ثمن (الكلب سحت) فان الثمن و المثمن ركنا المعاملة، و اما لأجزائها الغير الركنية فمثل النهي عن بيع غير البالغ فإن البائع و المشتري و ان لم يكونا أركانا في المعاملة و لكنهما من جهة لزوم رضاهما جزءان لها، و اما النهي عن أوصافها اللازمة فمثل النهي عن ملك الرجل عموديه و محارمه فإن الملكية من آثار البيع اللازمة، و اما لوصفها المفارق فمثل المنع من لزوم المعاملة بخيار أو فسخ فان اللزوم وصف مفارق لها، و اما ما كان لأمر خارج فمثل النهي عن البيع وقت النداء بقوله تعالى. (فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ)، و مثل هذا النهي لا يقتضي الفساد قطعا كما ان النهي عن الأركان يقتضيه اتفاقا و اما الباقي فمحل خلاف و الحق ان المقامات تختلف و يلزم النظر في دليل كل مورد بخصوصه حتى يستظهر منه ان المراد من النهي هو الفساد و الحكم الوضعي أو محض الحرمة و الحكم التكليفي فمثل حديث نهي النبي (ص) عن بيع الغرر حيث ان الغرر هو الجهالة و الاقدام على الخطر و هي ترجع الى الثمن أو المثمن و هما ركنان فلا ريب في انه يدل على الفساد. و لكن مثل لا يملك الرجل عموديه

ص: 96

يحتمل الحرمة و يحتمل الفساد و يلزم في مثله التأمل و الاستعانة بالقرائن لتحصيل الحقيقة و هي من وظائف المجتهد المطلق و باقي البحث موكول الى محله

(55) كل شي ء لا يعلم الا من صاحبه فقوله مصدق فيه

الأشياء التي لا يمكن العلم بها في الغالب الا من نفس صاحبها لا محيص من لزوم تصديقه فيها و الا لوقف جريان كثير من الأمور مثلا- إذا أنفقت على الوديعة التي عندك مبلغاً لحفظها من التلف فقال لك المالك أنت متبرع و قلت قصدت الرجوع بالعوض و لم اقصد التبرع فقصدك لا يمكن العلم به عادة الا من قبلك فلو لم تصدق فيه لوقف جريان القضية و لم تنحل مثل هذه الخصومة غايته انه لسد احتمال الكذب تلزم باليمين و نظائر هذا كثيرة و لعل الى هذا ترجع قاعدة

(56) النساء مصدقات

يعني في الأمور التي لا تعلم عادة إلا منهن مما هو مختص بشئون النساء كالحيض و الحمل و الخلو من الزوج و الدخول و أمثالها فلو ادعت انها ذات زوج أو خلية أو خرجت من العدة فلا اثر لرجوع الزوج- تصدق و لا يطلب اليمين منها الا عند الخصومة

(57) الضرورة في كل شي ء إلا في الدماء

يعني ان الضرورة تبيح كل محظور الا الدماء. و الى هذا أشير في بعض الاخبار (لا تقية في الدماء) ضرورة ان التقية إنما شرعت لحفظ الدماء فلا مجال لجريانها في ضد ما شرعت له فلو قال لك الظالم اقتل

ص: 97

المؤمن مثلا (و هو غير مستحق القتل) و الا قتلتك لم يجز لك قتله نعم لو صال عليك شخص يريد قتلك جاز بل وجب عليك دفعه و لو توقف على قتله جاز. و الفرق بين المقامين واضح فالإكراه و الجبر لا اثر له في النفوس المحترمة. نعم لو قال الظالم مع قدرته أحرق بيت فلان و الا قتلتك جاز لك إحراقه و لا ضمان عليك للإكراه و السبب هنا أقوى من المباشر

(58) لا يدفع الضرر بإضرار الغير

إذا توجه الضرر عليك ابتداء فأراد الظالم مثلا ان يأخذ طعامك لا يجوز لك ان تدله على طعام جارك لتدفعه عن طعامك لانه لا يجوز ان يدفع الإنسان الضرر عن نفسه بإضرار غيره، نعم لو توجه الضرر على الغير ابتداء لا يجب عليك دفعه بإضرار نفسك فلو قال الجائر أعطني الطعام الذي عندك لفلان و الا أخذت طعامك جاز ان تعطيه ذلك الطعام و لا يجب عليك الدفع عنه بإعطاء طعامك. فاعرف ذلك

(59) الإنسان قد لا يملك شيئاً و يملك ان يملك

يظهر هذا في مثل الشفعة فإن الشريك لا يملك و لكن يملك ان يملك و في الحيازة و أمثالها

(60) القدرة على التسليم شرط في المعاوضات

و يظهر منهم اعتبار تحقق القدرة حال العقد و لكن لا نجد مانعا من كفاية حصولها و لو بعد العقد ما لم يحصل غررا و جهالة

(61) كل من صحت مباشرته لشي ء صحت وكالته الا الواجبات التعبدية

ص: 98

هذه ضابطه ما تصح الوكالة فيه شرعا و هي عامة لا يخرج منها الا العبادات البدنية و يلحق بها النكاح و اليمين و النذر و الا بلاء و اللعان و القسامة و تحمل الشهادة و أداؤها و الظهار، اما العكس اي ما تصح الوكالة فيه و لا تصح مباشرته فقد ذكر له الجمهور أمثلة كثيرة و الذي يتم منها على أصولنا، باب الوكالة على التوكيل مطلقا و منها توكيل المحل محرما في ان يوكل محلا في التزويج و توكيل المسلم ذميا ان يوكل مسلما في شراء العبد المسلم

(62) أصالة عدم تداخل الأسباب و عدم تداخل المسببات

فإذا اشتريت مثلا حيوانا و اشترطت لنفسك الخيار ثلاثة أيام لم تتداخل هذه الثلاثة في ثلاثة خيار الحيوان بل يكون لك ثلاثة أخرى غيرها لأن الأصل في كل سبب ان يكون له مسبب مستقل و لو قال لك من تجب طاعته أكرم عالما و أضف أديبا- لا يكفيك ضيافة عالم اديب في امتثال الأمرين بل لا بدّ من التعدد- هذا هو مقتضى الأصول و القواعد الأولية و قد يخرج عنها و يصح التداخل و لكن الدليل خاص كما وقع بالشرع في موارد أشهرها تداخل الأغسال فمن كان عليه غسل جنابة و غسل مس ميت و أراد ان يضم إليها غسل الجمعة كفاه عن الجميع غسل واحد سيما مع قصدها اجمع، و قد ورد في أخبارنا المعتبرة:

(إذا اجتمعت للّٰه عليك حقوق كفاك غسل واحد)، و نظيره ركعتا تحية المسجد و غير ذلك

(63) كلما جازت الإجارة على شي ء مع العلم جازت الجعالة عليه مع الجهل

ص: 99

توضيح ذلك انه لو شردت دابتك أو أبق عبدك و تريد أن تستأجر شخصاً على ردها فان كان العمل معلوما زمانا و مكانا و وصفا جاز ان تستأجره و تعين المدة لطلبها يوما أو يومين و ان كان مجهولا كما هو الغالب لم تصح الإجارة و صحت الجعالة فتقول له ان رجعت دابتي فلك كذا بل ما هو أوسع من ذلك في الجهالة فتقول من رد عبدي فله كذا

(قواعد خاصة بالإقرار)

(64) إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ- أو جائز

و قد تقدمت الإشارة إلى موجز من القول فيها

(65) كل إقرار لا يقبل بعده الإنكار

فلو أقر لزيد بعشرة دراهم ثم أنكر أو ادعى الاشتباه أو الغلط أو أمثال ذلك لم يسمع منه

(66) كل إنكار يصح بعده الإقرار

و هذا في باب الأموال و الحقوق واضح فإنه اعتراف يلزم به و لكن يشكل في أبواب النكاح و العدد و نحوها، فلو ادعت زوجيته و أنكر ثم رجع فأقر أو أنكرت هي ثم أقرت فهل يقبل إقراره أم لا و كذا لو أنكرت رجوعه في العدة ثم أقرت بعد العدة انه رجع بها في العدة و المسألة تحتاج إلى تأمل

(67) كل من قدر على إنشاء شي ء قدر على الإقرار به أي إقراره نافذ فيه

ص: 100

و من أمثلة ذلك ما ذكروه في مسائل الرهن و فروعه انه لو اذن المرتهن للراهن في بيع العين المرهونة فباعها الراهن و ادعى المرتهن انه رجع عن الاذن قبل البيع فهو باطل و ادعى الراهن انه باع قبل الرجوع فهو صحيح قالوا ان الراهن إذا قال بعت و صدقه المرتهن ثم ادعى الرجوع قبل البيع فالقول قول الراهن و البيع صحيح، و إذا ادعى المرتهن الرجوع و صدقه الراهن ثم ادعى انه باع قبل الرجوع فالقول قول المرتهن و البيع باطل و مدرك هذا التفصيل هو القاعدة المزبورة فإن الراهن له إنشاء البيع في الصورة الأولى قبل ان يدعي المرتهن الرجوع فينفذ إقراره لان من قدر على إنشاء شي ء نفذ إقراره فيه بخلاف الصورة الثانية فإنه لما ادعى المرتهن الرجوع أولا و صدقه الراهن لم يكن للراهن ان يبيع في ذلك الوقت لان الرجوع صار محققا اما سابقاً أولا حقاً فلو أراد الراهن إنشاء البيع حينئذ لم يصح فلا يصح إقراره بتلك القاعدة أيضاً و استشكلوا في جملة فروع و لعل الى هذه القاعدة ترجع القاعدة المعروفة عند فقهائنا و أفرد فيها بعض اعلامنا المتأخرين رسالة و هي.

(68) من ملك شيئا ملك الإقرار به.

و هي غير قاعدة الإقرار المعروفة طبعا و مثلوا لها بالوصي و الوكيل و ولي الصغير و متولي الوقف فإنهم إذا أقروا ببيع مال اليتيم مثلا أو إيجاره أو إيجار الوقف و غير ذلك فإن إقراره نافذ لانه يملك البيع و الإيجار و من ملك شيئاً ملك الإقرار به و قبول هذا الإقرار مخالف لقاعدة الإقرار

ص: 101

فإن إقرار العاقل انما ينفذ على نفسه لا على غيره و الإقرار في هذه المواضع صار نافذا على الغير و لكن بذلك الملاك الذي أشارت إليه القاعدة.

و هذه لمحة موجزة من هاتين القاعدتين المفيدتين، و البسط محال الى موضعه، اما عكس الاولى و هو من لا يقدر على إنشاء شي ء لا يقبل إقراره فيه فهي مسلمة أيضاً في الجملة و يخرج منها من أقر على نفسه بالرق إذا كان مجهول النسب فإنه يقبل مع انه لا يقدر على إنشاء الرق لنفسه و عند الجمهور ان المرأة تقدر على الإقرار بالنكاح مع انها لا تقدر على إنشائه فليتأمل.

(69) كل من أقر بحق لسبب مجهول قبل تفسيره له

مثلا لو أقر بأن داري انتقلت لزيد فلو قال بعد ذلك نقلتها بالسبب الجائز كالهبة و قد رجعت بها لا بالسبب اللازم كالبيع فلا رجوع- يقبل قوله و لا يلزم بالدار استصحابا لبقاء ملك المقر له

(70) كل من أقر بمبهم يلزم بتفسيره و يقبل قوله فيه

فمن أقر بأن علي لزيد دين أو مال يلزمه الحاكم بتفسيره و لو فسره بدرهم أو أقل قبل- الا ان تكون هناك قرينة معتبرة على خلافه

(71) كل عارية امانة

اي لا تضمن بغير التعدي و التفريط و يستثني من ذلك عارية الذهب و الفضة أو مطلق العارية مع شرط الضمان

(72) كل هبة يجوز الرجوع فيها بعد القبض،

إلا إذا كان الرجوع بعد التلف أو كانت معوضة أو هبة الرحم

ص: 102

(73) كل صدقة لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض.

اي بعد قبض مستحقها و يشمل الصدقات الواجبة كالزكوات و الكفارات و نحوها و المستحبة كالصدقة المطلقة أو الوقف و أخواته

(74) كل تصرف من المكره عقدا أو إيقاعا باطل

لان القصد و الاختيار شرط ركني في جميع المعاملات و الإيقاعات بل و العبادات

(75) كل معاملة من عقد أو غيره من غير المالك فهي فضولية

و المراد بالمالك من له حق التصرف فيشمل الوكيل و الوصي و الولي و المتولي و معاملة الفضولي في جميع الأبواب موقوفة على الإجازة على تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّٰه

(76) القرعة لكل أمر مشكل

هذه القاعدة مشهورة في كتب الفقه و هي مستفادة من أحاديث مروية من طرق الفريقين و في بعض أخبارنا: كل أمر مجهول فيه القرعة، و لكن أصحابنا لا يعملون بها إلا في موارد مخصوصة و يقول بعضهم انها موهونة بكثرة التخصيص و يظهر من القرآن المجيد انها كانت مشروعة في الشرائع السالفة مثل قوله تعالى فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، و قوله عز شأنه (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)، و قد ورد عن النبي (ص) انه استعملها في العتق حيث أعتق رجل ستة مماليك لا مال له سواهم فجزأهم و أقرع بينهم فأعتق اثنين و أرق أربعة، و يظهر من هذه الواقعة إن للقرعة مجالا واسعا. لكن الشك يقع في ان مورد القرعة هو الواقع

ص: 103

المجهول فقط كما لو طلق زوجة معينة و نسي انها هندا و زينب فتعين بالقرعة، أو يعم حتى مالا واقع له أصلا كما لو طلق احدى زوجاته أو أعتق أحد عبيده فهل تجري القرعة هنا أم لا، اما واقعة النبي (ص) فتدل على أوسع من هذا فليتأمل.

(77) لا مقاصة إلا مع اليقين و العجز عن تحصيل الحق

فلا تجوز مع الظن بالحق فضلا عن الاحتمال و الشك أو التهمة كما لا تجوز مع إمكان تحصيل الحق بطريق الحاكم العادل أو الجائر فإن تعذر و امكنه أخذ عين ماله من الجاحد أو مجانسه مثلا أو قيمة جاز له ذلك بلا توقف و ان لم يجد عين ماله و اضطر إلى أخذ جنس آخر بدلا عن ماله توقف على اذن حاكم الشرع اما الأخذ من الوديعة ففيه قولان منشؤهما روايتان عن النبي (ص) انه قال: (أد الأمانة الى من ائتمنك و لا تخن من خانك) و قوله لهند (خذي ما يكفيك و ولدك من ماله) اي من مال أبي سفيان و مال الرجل وديعة عند الزوجة

(78) كل دعوى تسمع مطلقا

خلافا لبعض فقهاء الجمهور فإنهم اشترطوا في سماع الدعوى سبق الخلطة استنادا الى ما يروى في ذيل حديث (البينة على المدعي و اليمين على من أنكر) إذا كانت بينها خلطة، و بما رووا عن على (ع) (لا يعدي الحاكم على الخصم الا ان يعلم بينهما معاملة)، و لم يثبت عند الإمامية شي ء من هذه الروايات و قولهم لو لا ذلك لاجترأ السفهاء على ذوي المروات فان وقفوا معهم في الدعوى سقطوا و ان صالحوا ذهبت

ص: 104

أموالهم مدفوع بإمكان التوكيل على ان القواعد الكلية لا تقدح فيها العوارض الجزئية

(79) الكافر لا تسمع شهادته لمسلم أو عليه مطلقا مع وجود غيره و مع عدمه إلا في الوصية كما في الآية في واقعة خاصة

اما شهادته لأهل ملته ففيه خلاف و الا صح عندنا ان ذلك منوط الى نظر الحاكم و وجدانه، و حصول ثقته و اطمينانه، حسب القضايا الشخصية و لم أجد قائلا به مع قوته،

(80) لا نذر الا في طاعة و لا يمين إلا في مباح

هاتان ضابطتان لمتعلق النذر و اليمين فان النذر عندنا لا يلزم الا في الراجح دينا أو دنيا و لا يصح في المباح المتساوي الطرفين نعم هو يصح و يلزم باليمين فعلا أو تركا و لا يصح اليمين بالمكروه أو المرجوح دنيا فضلا عن الحرام و لكن إذا حلف على فعل أو ترك ثم تبدل بعنوانه أو ظهر عدم رجحانه جاز له حل اليمين و العدول الى ما هو خير منها كما ورد في الاخبار المعتبرة. (إذا وجدت خيرا من يمينك فدعها)

ص: 105

(81) قاعدة العدل

المستفادة مما ورد فيمن أودع عنده رجل درهمين و آخر درهما و امتزجا ثم تلف درهم بلا تفريط و لم يعلم انه من صاحب الدرهم أو من صاحب الدرهمين. قال (يعطى صاحب الدرهمين درهما و نصف و لصاحب الدرهم نصف درهم) و حملها بعض فقهائنا على الصلح القهري فرارا من المخالفة القطعية، و يمكن تعميمها إلى أمثال موردها فيصح العمل بها في كل مال مردد بين شخصين أو أشخاص و لا سبيل الى تعيين صاحبه الواقعي بناء على عدم العمل بالقرعة في الحقوق و الأموال بل قد يتوسع الأخذ بها حتى فيما ليس له واقع مجهول كما لو دفع مالا الى وكيل شخصين لكل منهما عليه دين و لم يعين أحدهما أو كان عليه لشخص دينان أحدهما برهن و الآخر بلا رهن و لم يعين ما دفعه عن دين الرهن أو عن الآخر فيحتمل ان له التعيين بعد الدفع و يكون القبض موجبا للملك المراعى بالتعيين على نحو الكشف و يحتمل التوزيع كما تقتضيه قاعدة العدل. و يحتمل استصحاب شغل الذمة بكلا الدينين و استصحاب بقاء المال على ملك الدافع و يكون امانة عند القابض حتى يلحقه التعيين من الدافع فيملكه القابض و أقوى الوجوه الأول ثم الثاني. و المسألة سيالة كثيرة الأشباه و النظائر في الأموال و غيرها.

و قد ذكر الفقهاء فرع الدينين في فروع كتاب الرهن و ان الرهن إذا

ص: 106

ادعى ان ما دفعه عن دين الرهن يصدق لانه لا يعلم الا من قبله. نعم لو اعترف انه لم يعين جاءت الاحتمالات المتقدمة، و يشهد لقاعدة العدل أيضاً من طريق الجمهور ما رواه في (كنز العمال) في أبواب القضاء من ان النبي (ص) أتاه رجلان يختصمان في بعير و اقام كل واحد شاهدين انه له فجعله بينهما

(82) ذوات الأسباب لا تحصل إلا بأسبابها

جعل الشارع المقدس للعناوين الاعتبارية- المجعولة لحفظ نظام الهيئة الاجتماعية للبشر و تعاون بعضهم مع بعض. و ضبطا للمصالح المتبادلة و المنافع المشتركة. نعم جعل لتلك الروابط ضوابط و أسبابا خاصة، و أوضاع معينة، فالملكية و الزوجية. و الرقية و الحرية و أمثالها لا تتحقق بنظر الشرع و العرف الا من أسبابها التي جعلت لها عقدا و حلا فلا تعقد الا بذلك السبب الخاص و لا تحل عقدتها الا من سبيلها المعين. فأسباب نقل الملكية مثلا- البيع و الإجارة و الصلح و أمثالها و إذا عقدت بسببها الخاص لا تنحل عقدتها أيضاً إلا بأسباب مخصوصة من خيار أو فسخ أو تقابل و نحوها، و هكذا الزوجية قد جعل الشارع لها أسبابا محدودة و هي عقد الزواج مثلا و ملك اليمين و لا ثالث لهما و جعل لحل هذه العقدة و فكها مفاتيح محصورة و هي في عقد الزواج الفسخ و الطلاق و اللعان و الردة و الموت فلا تنحل عقدة النكاح الا بواحد من هذه الأسباب فلو ان الزوج بعد تمامية العقد أعلن و سجل رفض تلك الزوجية و قال اني قطعت ذلك الحبل و حللت ذلك العقد و فلانة

ص: 107

ليست زوجتي لم تخرج عن زوجيته و لا تنفصل عن حبالته الا بالطلاق و مثله مما جعله الشارع سبباً لحل تلك العقدة و لا تنحل بغيره، و هكذا الحرية و الرقية فإن الشارع جعل لرفع العبودية و الرقية سببا خاصا أو أسبابا محصورة و هي العتق مثلا أو التنكيل فلو ان المولى أعلن اني رفعت ملكيتي عن هذا العبد و أطلقته و أمثال ذلك لم تتحقق حريته الا بالسبب الخاص و هو العتق الذي لا يحصل إلا بالصيغة الخاصة و هي قوله أنت حر و ما يؤدي معناه ان قلنا بالتوسعة و كذلك ملكية زيد للدار لو قال تركت ملكيتها و رفعت يدي عنها و رفضتها لا تخرج عن ملكيته الا بان يقول وهبتها أو بعتها أو نحو ذلك، و على هذا المنوال جميع هذه العناوين الخاصة لا تزول إلا بأسبابها المقررة، و على هذا يتفرع القدح في القضية المعروفة عند بعض المتفقهة أو الفقهاء و هي ان الاعراض يوجب زوال الملكية و صحة تملك الغير و هذه قضيته غريبة لا تنطبق على القواعد الشرعية و ان كانت شائعة مشهورة و الاعراض لا يزيل ملكية و لا يثبت ملكية، نعم أقصى ما يفيده الاعراض إباحة الانتفاع بالدلالة التبعية العرفية و الا فهي أيضاً محل نظر إلا في بعض الموارد كما لو زاد عند أهل البيت طعام فألقوه في الطريق فان ظاهر الحال يقضي بإباحته لمن أخذه هذا أقصى ما يدل عليه الاعراض في أمثال هذه الوقائع اما نزع الملكية بحيث تجعله من المباحات يملكه كل من حازه- فمن اين؟

و قد يتوهم ان قاعدة سلطنة الإنسان المطلقة على ماله تقضي بان له نزع ملكيته عنه إذا أراد و حقيقة الاعراض ليس الا نزع الملكية و هو مسلط

ص: 108

على ماله كيف شاء و لكنه مدفوع بأن الملكية نحو من السلطنة و لا يعقل ان يكون الشي ء مقتضيا لعدم نفسه فثبوت السلطنة للإنسان لا يدل على ان له نفي تلك السلطنة و نتيجة العقود و المعاملات ليس نزع السلطنة بل تبديلها و تحويلها فتدبره جيداً و يبقى الكلام في مثل الالتزامات الضمنية (كالشروط) في ضمن العقود أو الاستقلالية (كالنذور) و انها هل تثبت ملكية أو ترفعها و ذلك في مثل شرط النتيجة أو نذر الغاية أو لا يصح الا شرط أسبابها و نذر مباديها و ظاهرهم الاتفاق على ان الشروط و النذور أسباب بنفسها تثبت الملكية و ترفعها كالبيع و نحوه و لعل مستندهم عموم أدلة الشروط و النذور فان تم الإجماع على ذلك فهو و الا فللتأمل فيه مجال أما الزوجية و فكها بالطلاق أو الفسخ و نحوهما فلا ريب في عدم تأثير الشروط و النذور فيها قولا واحدا و انها لا تتحقق بنحو شرط النتيجة و انما يصح تعلق النذر أو الشرط بفعل أسبابها لأنها مما علم من الشرع انها لا تحصل الا بتلك الأسباب الخالصة فاغتنم و تدبره،،، ثم ان هذه القاعدة أعني قاعدة الأسباب من منفرداتنا لم نجدها في شي ء من مؤلفات الأصحاب صراحة اللهم إلا بالإيماء و الإشارة و قد استخرجناها من فحاوي النصوص و متفرق كلماتهم كما ان المناقشة في جعل الاعراض من أسباب نزع الملكية بهذا البيان لم أجد من تعرض لها فبما وقفت عليه و لعلها محررة و لم استحضرها، و حيث بلغ الكلام بنا الى هذا المقدار من ذكر ما حضرنا من القواعد المستدركة على قواعد المجلة و قد انهيناها

ص: 109

الى اثنتين و ثمانين قاعدة و بضم ما لخصناه من قواعد المجلة يبلغ الجميع مائة و سبع عشرة قاعدة جلها أو كلها في خصوص العقود و المعاملات و ما يلحق بها من بعض موازين القضاء و حسم الخصومات و النذر و اليمين،، اما لو أردنا أن نحصي جميع القواعد التي يرجع إليها في عامة أبواب الفقه من العبادات و الوصايا و أبواب النكاح و الرضاع و الأولاد و النفقات و الطلاق و ما يلحق به من الخلع و الظهار و الإيلاء و اللعان و المطاعم و المشارب و الصيد و الذباحة و القضاء و الميراث و الشهادات لأمكن أن تنتهي إلى خمسمائة قاعدة أو أكثر، أما الشهيد الأول رضوان اللّٰه عليه فقد جمع في كتابه المعروف (بالقواعد) أكثر من ثلاثمائة قاعدة و لكن الإنصاف ان كثيرا منها لا ينطبق عليها حد القاعدة التي هي قضية كلية يعرف منها حكم جزئياتها أو مصاديقها فان بيان معنى السبب و الشرط و المانع و ان القيود بعضها توضيحية و بعضها احترازية، و ذكر الوجوه العديدة لقوله (ع) (نية لنؤمن خير من عمله) و أمثال ذلك كله مما لا يندرج في مفهوم القاعدة إلا بتكلف بعيد، و على كل فشكر اللّٰه مساعيهم و وفقنا لاتباع آثارهم في العلم النافع و العمل الصالح و لنشرع في القصد الصميم من تحرير ما في المجلة من المعاملات كالبيع و الإجارة و أمثالهما على النهج و الترتيب المسطور فيها و إبداء ما عندنا من الرأي و بيان ما يوافق مذهب الإمامية منها مما يخالفه، ثم نلحقه إذا وفق اللّٰه بجزء خاص في ما يسمونه بالأحوال الشخصية و اللّٰه

ص: 110

المستعان على أحوالنا العمومية و الشخصية و منه نستمد العناية و التوفيق

ص: 111

كتاب البيوع

اشارة

ص: 112

تمهيد مفيد

عرفت في صدر الكتاب ان الفقهاء حصروا مسائل الفقه في أربعة أنواع عبادات و معاملات و إيقاعات و احكام، أو بتعبير ثاني، عبادات و معاملات و عادات و سياسات، و الضابطة للعبادة الجامعة لجميع أنواعها هو كون العمل ذا مصلحة توجب محبوبيته للشارع فان توقفت صحته و التقرب به على نية القربة فهو عبادة بالمعنى الأخص و الا فإن كان راجحاً و مقرباً بذاته و ان لم يقصد به التقرب فهو العبادة بالمعنى الخاص و الا فإن كان بحيث يمكن التقرب به فهو العبادة بالمعنى الأعم، و الأول أي العبادة بالمعنى الأخص تنقسم إلى ثلاثة أقسام (بدنية محضة) كالصوم و الصلاة و الطهارة و الاعتكاف، و (مالية محضة) كالزكاة و الخمس و الكفارات و (جامعة للأمرين) كالحج و العمرة و الثاني أي العبادة بالمعنى الخاص فهو مثل الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القضاء و الشهادات و يمكن ان يكون أكثر الواجبات الكفائية أو كلها من هذا النوع، و الثالث، و هو العبادة بالمعنى الأعم- جميع الأعمال التي فيها رجحان ديني أو دنيوي فإنه لو نوى التقرب بعمل منها و اتى به للّٰه تعالى من

ص: 113

وجهه الحسن كان عبادة و على هذا فيمكن ان يكون جميع أعمال الإنسان عبادة و من هنا كان بعض الأعاظم يقول (ما عملت في عمري مباحاً قط فضلا عن المكروه أو الحرام)، و اما المعاملات فالمفهوم الجامع لها هو الإنشاء فان كان يتقوم بطرفين فهو العقود و ان تقوم بطرف واحد فهو الإيقاع، و العقود قسمان، عقود إذنية مجانية. و عقود معاوضات تعهدية التزامية و الأول مثل الوكالة و العارية و الوديعة و الهبة و نحوها و تسمية هذه عقود انما هو على اصطلاح الفقهاء لتقومها بطرفين و ان أشكل صدق العقد عليها لغة و شرعاً فلا يشملها مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لان المراد بها قطعاً العقود الالتزامية لا مطلق ما اشتمل على إيجاب و قبول و لو سلم صدق العقود عليها عرفاً و شرعاً و لكن وجوب الوفاء انما هو لهذا النوع الخاص من العقود لمناسبة الحكم و الموضوع ضرورة ان تلك العقود من طباعها عدم اللزوم و لا معنى لوجوب الوفاء بها الا على معنى آخر و ليست العقود الحقيقة سوى القسم الثاني و هي العقود الالتزامية اللازمة نعم يشكل هذا في المضاربة بناء على عدم لزومها مع انها من العقود الالتزامية، و على كل فهي أيضاً على قسمين، تقديرية و هي التي يكون حصول أثرها على تقدير خاص و ذلك كالمزارعة و المساقات و المضاربة و السبق و الرماية و الجعالة العقدية فإن الجميع و ان كان المنشأ منجزا فعلا و لكن على تقدير حصول الربح في المضاربة أو العائد في المزارعة و هكذا بخلاف القسم الثاني و هي التحقيقية فإن المنشأ منجز فعلا بكل تقدير

ص: 114

و ذلك كالبيع في تمليك الأعيان و الإجارة في تمليك المنافع فان كان تمليك العين بعوض فهو البيع و ان كان بغير عوض فهو الهبة و كذا في المنافع فان كان تمليكها بعوض فإجارة و الا فعارية بناء على كونها تمليكاً مجانياً، اما لو جعلناها اذناً و إباحة أو تمليكا للانتفاع فهي خارجة عن العقود و من هنا يظهر ان الهبة المعوضة لا يراد بها المعاوضة بين الموهوبين و الا لخرجت عن حقيقة الهبة بل المراد التعاوض بين نفس نفس الهبتين فهو تمليك مجاني مشروط بان يقابل بتمليك مجاني فلو قال وهبتك هذا بهذا بطل هبة. و هو حينئذ اما بيع صحيح بناء على عدم اختصاص حقيقته بألفاظ مخصوصة و جواز استعمال ألفاظ عقد في عقد آخر و الا فبيع فاسد و على كل لا تكون هبة، لأن الهبة مأخوذ في حقيقتها المجانية و عدم العوض للمال الموهوب اما الصلح فهو أعم من الجميع و هو عبارة عما يفيد التسالم و قطع الخصومة فقد يفيد فائدة البيع تارة و تارة فائدة الإجارة. و هكذا يختلف باختلاف موارد الاستعمال. ثم ان بعض العقود قد يجري فيها القسمان فيكون نوع منها بنحو الاذن و الإباحة و نوع بنحو العهد و الالتزام و الإلزام كالوكالة فإن القدر الجامع فيها و ان كان إباحة التصرف و لكن قسما منها يكون على نحو العقد و الالتزام و منه الوكالة بجعل و يتوقف هذا النوع على الإيجاب و القبول و يكون أثره السلطنة على التصرف بحيث لو عزل و لم يعلم الوكيل بالعزل كان تصرفه نافذاً.

اما الاذني المحض فبمجرد رجوع الموكل عن الاذن يبطل تصرف

ص: 115

الوكيل و ان لم يعلم و هذه هي الثمرة بين القسمين كما ان بعض العقود قد يكون جامعاً للجهتين فيكون من جهة عهديا التزاميا، و من جهة أخرى اذنياً صرفاً و ذلك كالإجارة فإنها من جهة تملك المستأجر المنفعة من النحو الأول و من جهة قبض العين و استيلائه عليها من النحو الثاني و هو من الأمانات المالكية و كل العقود الإذنية كالوديعة و العارية و غيرها من هذا القبيل، و لنرجع الى تحرير مواد (المجلة) في البيوع،

ص: 116

(المقدمة) في بيان الاصطلاحات الفقهية في البيوع

اشارة

(مادة 101)

الإيجاب:

كلام يصدر من أحد العاقدين لأجل إنشاء التصرف و به يوجب و يثبت التصرف، الإيجاب مصدر أوجب كما ان الوجوب مصدر وجب و مادة هذا الثلاثي و ان وردت في اللغة لمعاني كثيرة و لكن اجمعها و أوسعها بل لعل أكثرها ترجع الى واحد و هو الوقوع و السقوط و منه (فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا) و (وجبت الشمس) و غير ذلك و الى هذا المبدأ يرجع الإيجاب المستعمل في باب العقود فان المراد به إيقاع تمليك ماله لغيره بعوض فمعنى قولك أوجب البيع اي جعله امراً واقعاً محققاً كما تقول أنت تجاه أمر واقع و هذا الإيقاع هو الذي تعبر عنه بالإنشاء فتقول إنشاء تمليك ماله أو إنشاء تمليك عين بعوض و الجميع يرجع الى الإيجاد أي الإيجاد الإنشائي الجعلي لا الإيجاد التكويني فالإيقاع الإيجابي في العقود هو الإنشاء الإيقاعي في باب الإيقاعات و كل منهما يحصل منه معنى ربطي بين اثنين و انما الفرق بينهما، (أولا) ان الطرف الآخر يقع المبدأ له و في الإنشاء الإيقاعي يقع عليه، و (ثانيا) ان الموجب يعمل عملين عن نفسه و عن الطرف الآخر فيملك

ص: 117

(بالتشديد) ماله و يتملك مال المشتري و في الإنشاء الإيقاعي يتقوم الأمر بعمل واحد و لذا لا اثر فيه لقبول الآخر و عدم قبوله بخلاف الإيجاب في العقود فإنه لما تضمن عملا يتعلق بغير الموجب احتاج الى إمضاء الآخر و موافقته على ذلك العمل المتعلق به فكأن أمر المعاملة لا يتم الا بالقبول فالقبول ليس إلا إمضاء و مطاوعة لفعل الموجب و ينحل أيضا الى تملك و تمليك و لكن من الرضا بفعل الموجب لا من فعله مباشرة فظهر من هذا البيان ان الموجب هو الذي يملك و يتملك سواء تقدم لفظه أو تأخر و القابل هو الذي يرضى و يطاوع فعل الموجب تقدم كذلك أو تأخر فقضية الموجب و القابل ليست قضية تقديم أو تأخير و انما الفرق بينهما جوهري و معنوي و حالهما يشبه في الجملة الكسر و الانكسار و ان كان أيضا بين المقامين فروق من جهات و لكن الغرض تصوير ان القبول لا يختلف تقدم أو تأخر أو تقارن فلو جوزنا تقدم القبول على الإيجاب وفاقا لبعضهم سيما بمثل اشتريت و ابتعت و نظائرها و قال الموجب بعده بعت و اشتريت و نحوهما فالأول قبول و الثاني إيجاب لأن الأول مطاوعة لعمل الثاني اما ان المطاوعة هل يصح تقدمها ليصح تقدم القبول أم لا معنى لتقدمها فلا يصح فسيأتي البحث فيه في مادة (169) إن شاء اللّٰه و جل الغرض من هذا التحقيق بيان ما في عبارة (المجلة) من الخلل في ضابطة الموجب و القابل و تمييز أحدهما عن الآخر و ربما اتضح لك ان الخلل فيها من وجهين، (الأول) في جعل المدار على الأول و الآخر و الأولية و الاخرية

ص: 118

ليس لها أثر في المقام، أصلا و (الثاني) جعل الإيجاب ما يصدر لأجل إنشاء التصرف و هذا أشد و هنا من الأول فإن الذي ينشأ بالإيجاب و القبول ليس هو التصرف بل ينشأ بهما التمليك و التملك أو النقل و الانتقال أو المبادلة بين المالين أو ما أشبه ذلك من الألفاظ التي يشار بها الى معنى واحد و هو ما يقع و يتحصل من العقد و بالعقد- و التصرف اثر ذلك المعنى أي أثر الملكية المنشأة بالعقد و تلخص من كل ما ذكرنا ان الميزان العدل ان يقال ان الإيجاب هو ما ينشأ به أحد العاقدين تمليك ماله و تملك مال غيره و القبول هو الرضا بذلك و الالتزام به،

(مادة 103)

العقد:

التزام المتعاقدين و تعهدهما امرا و هو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول العقود ألفاظ و أقوال و هي من مقولة الفعل، و الالتزام صفة نفسانية من مقولة الكيف، و الارتباط وصف قائم بالإيجاب و القبول و هو من مقولة النسب و الإضافات فلا ربط لكل واحد من هذه المفاهيم المتغايرة بالآخر و لا وجه لتفسير بعضها ببعض.

فالعقد ليس التزاما و لا ربطا و لا ارتباطاً و انما هو الإيجاب المرتبط بالقبول أي الإيجاب المقترن بقبوله. و ليس المنشأ بالإيجاب الالتزام بل الذي ينشأ به هو التمليك أو المبادلة و لازمة عقلا و شرعاً هو التعهد و الالتزام و لا شي ء منهما بمدلول للإيجاب لا بالتضمن و لا الالتزام فضلا عن المطابقة و ليس الإيجاب كما عرفت إلا جعل ملكية زيد لدارك امراً واقعاً

ص: 119

و حيث إنك أنشأت هذه الملكية و أوقعتها و جعلتها امراً واقعاً فيلزمك عقلًا و شرعاً ان تلتزم بها و لا تنقضها فالالتزام حكم من احكام العقد لا نفس العقد و لا جزء منه بل و لا لازم له بل عرض من عوارضه المفارقة و كذا الكلام في الارتباط فإنه وصف اعتباري ركني لركني العقد و هما الإيجاب و القبول لا جزء منه و لا مدلول له و انما هو معنى حرفي غير مستقل باللحاظ حتى يفسر به العقد على ان الوصف المعتبر في الإيجاب و القبول هو الربط لا الارتباط فان المتعاقدين يربطان كلا منهما بالآخر و لكنه قد يرتبط و قد لا يرتبط و حال الربط و الارتباط حال العقد و الانعقاد نظير الكسر و الانكسار فإذا كان العقد صحيحاً جامعاً للشرائط شرعاً و عرفاً تقول عقدته فانعقد و ان لم يكن كذلك تقول عقدته فلم ينعقد كما تقول كسرته فانكسر تارة و كسرته و لم ينكسر اخرى، و هكذا الربط و الارتباط و بهذا البيان يتضح المراد بمادة (104) الانعقاد تعلق كل من الإيجاب و القبول بالآخر على وجه مشروع يظهر أثره في متعلقهما، و كان حق التعبيران يقال الانعقاد وقوع الإيجاب و القبول بنحو يترتب عليه الأثر المقصود من العقد، فانعقاد البيع ان يقع الإيجاب و القبول بنحو مؤثر للملكية و انتقال المبيع إلى المشتري و الثمن إلى البائع، و انعقاد النكاح ان يكون الإيجاب و القبول مؤثرا زوجية كل من الرجل و المرأة للآخر و هذا هو الأثر المطلوب من العقد و بعبارة اجلى ان العقد مؤثر و الانعقاد اثر و الأول موضوع و الثاني حكم أو هو سبب و الأخير مسبب الى كثير من أمثال هذه العبارات الدالة على معنى واحد و من كل ذلك

ص: 120

ظهر لك ان الانعقاد ليس هو التعلق بل هو أثر الإيجاب المتعلق مع بقية الشرائط فتدبره جيداً،

(مادة 105)

البيع:

مبادلة مال بمال على وجه مخصوص و يكون منعقداً و غير منعقد شاع عند فقهاء الفريقين تعريف البيع بالمبادلة المزبورة و من المعلوم ان المراد بها الإشارة إلى حقيقة البيع من بعض وجوهها لا من كل وجه و الا فالبيع ليس مبادلة بل تبديل و ليس تبديل مال بل تبديل عين بمال لتخرج الإجارة و كيف كان فلا يراد بأمثال هذه العبارات التعريف الحقيقي إذ ليس البيع سوى مفهوم اعتباري ليس له جنس و فصل حقيقة حتى يعرف بهما و لكن يقصد بذلك الإشارة الى ذلك المفهوم بأخص لوازمه التي تحكي عنه و ينبغي أولا معرفة ان للبيع إطلاقين (أحدهما) ما هو من فعل البائع فقط حيث يقول للمشتري بعتك داري بكذا و بعته فلم يقبل و أمثال ذلك من الاستعمالات الشائعة لكثيرة و (الثاني) ما هو المركب من فعل البائع و المشتري و هما الإيجاب و القبول و هو الأكثر استعمالا سيما عند الفقهاء و المتشرعة بل و عند العرف حيث يقال (باع فلان داره) و (قد وقع البيع صحيحاً، أو وقع فاسدا) و هو مقصود المؤلفين في الفقه بقولهم كتاب البيع و عقد البيع و أمثال ذلك، و التعريف الحقيقي أو التقريبي تارة يكون بلحاظ المعنى الأول و اخرى بلحاظ المعنى الثاني،

ص: 121

و التعبير بمبادلة مال بمال لا ريب انه ناظر إلى إطلاقه بالمعنى الأول أعني فعل البائع فقط و مغزى هذه الجملة الإشارة الدقيقة الى ان جوهر البيع مبادلة بين المالين أصالة و يلزمه المبادلة بين المالكين و الملكيتين تبعاً بخلاف الإرث و الهبة فإن التبادل فيهما بين المالكين أصالة و يستلزم تبدل الملكيتين تبعاً و ليس ثمة تبادل في المال طبعاً لان المال واحد، و لكن هذه الخاصة لا تخص البيع فقط بل تعم جميع المعاوضات المالية و تحليل جذرها الدفين ان الملكية نوع من الجدة و هي نوعان، اضافة مقولية و هي من أضعف مراتب الحدة، و اضافة اشراقية و هي من أعلى مراتبها كواجدية الحق جل شأنه لمخلوقاته و المضاف هنا عين الإضافة فملكية الإنسان لأمواله عبارة عن اضافة بينه و بين المال واحد طرفيها المالك و طرفها الآخر المال و عند المعاوضة يبدل النسبة من طرف المال فيحولها من هذا المال الى مال آخر لا انه يرفع الملكية كلها أو يبدلها من طرف النسبة اليه، و ملكيته لماله و سلطنته عليه تخوله تبديله بمال آخر و تحويل نسبة هذا المال إليه بنسبة ذاك المال لا تحويل نفس الملكية و السلطنة ضرورة ان الغرض المهم في المعاوضة المالان فقط فالتبديل انما يكون بالنسبة إلى جهة المال و يتبعها جهة المالك بل يمكن ان يلاحظ عدم التبديل إلا في جهة المال فقط نظراً الى ان تلك النسبة و الإضافة إلى المالك باقية بحالها و انما تبدل طرفها الثاني:

فقد كانت مرتبطة بذلك المال و بعد البيع و المبادلة ارتبطت بالمال الأخر فهو اي البيع حقيقة تبديل مال بمال فقط لا تبديل مالك بمالك و لا تبديل ملكية بملكية، نعم هي في الهبة تبديل مالك بمالك و ملكية بأخرى

ص: 122

و كذلك في الإرث، و ما يقال من انه ليس للملكية ملكية حتى يقدر على نقلها الى الغير و ليس له على السلطنة سلطنة حتى يتمكن بها من التصرف في ذات سلطنته مدفوع بأنه لا حاجة الى ملكيه أخرى و سلطنة ثانية، لأن كلما بالعرض لا بدّ و ان ينتهي الى ما بالذات و الأشياء كلها تظهر بالنور و النور ظاهر بنفسه لا بنور آخر و الماهيات كلها توجد بالوجود و الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر كي يتسلسل، نعم السلطنة على الشي ء لا يمكن إسقاطها و نزعها و لكن يمكن خلعها على الغير و دفعها و هذا البحث على اختصاره من العلم المخزون فتدبره و احتفظ به و قد تجلى لك صحة ان يقال ان البيع تمليك عين بعوض و الهبة تمليك مال بلا عوض و يكون المراد بالتمليك هو ذلك التبديل المنشأ بقول البائع بعت فان لحقه القبول حصلت المبادلة واقعاً و ثم العقد و تحقق المعنى الثاني للبيع و الا فهو بيع بالإطلاق الأول فقط و لم تحصل سوى المبادلة إنشاء، و الإنشاء (كما يقال) خفيف المئونة، و هناك إطلاق ثالث للبيع يستعمل في مقام النذور و العهود و الايمان و الشروط، فإذا نذر أو حلف أو شرط في عقد لازم ان يبيع داره لا يحمل على ارادة محض الإيجاب بحيث يبرء بمجرد قوله بعت داري و ان لم يكن هناك قبول و لا على ارادة العقد اي مجموع الإيجاب و القبول فان ذلك غير داخل في قدرته بل يحمل على إرادة الإيجاب في محل القبول أي الإيجاب المتعقب بالقبول فيهئ الناذر مشترياً حتى يكون قبوله محققاً و يبرأ من نذره أو يمينه و يفي بشرطه كما قد يطلق على معنى رابع و هو اثر العقد فيقال البيع انتقال

ص: 123

المال بعوض فيكون من قبيل إطلاق السبب على المسبب، اما التقييد بالوجه المخصوص كما في (المجلة) فهو مستدرك لا فائدة فيه لأنه ان أريد به (ألفاظ بعت و شريت) و نحوهما من الصيغ و الخاصة فهو أشبه بالدور و ان أريد به معنى آخر فهو مبهم و اللازم في التعاريف الإيضاح لا الإبهام

(مادة 106)

البيع المنعقد:

هو البيع الذي ينعقد على الوجه المشروع و ينقسم الى صحيح و فاسد و نافذ و موقوف، لعل المراد بالوجه المشروع- الوجه المذكور في المادة المتقدمة يعني انه مبادلة مال بمال كي تصح القسمة و لو كان المراد بالمشروع ما هو الصحيح شرعاً لم يتجه تقسيمه المزبور كما هو واضح و على كل، فالأقسام الأربعة اصطلاح (و لا مشاحة في الاصطلاح) و لكن الأقسام الصحيحة للبيع من حيث النفوذ و عدمه ثلاثة- فإن البيع اما ان يقع صحيحا شرعا صالحا للتأثير أو يقع باطلا لا اثر له و الأول اما ان يكون أثره فعلا فيكون منجزاً أو يكون تأثيره مراعى بأمر متأخر عنه، (فالأول) هو عقد المالك الجامع للشرائط، و (الثاني) هو عقد الفضولي المراعي بالإجازة، فحق القسمة المتجهة ان يقال- البيع اما صحيح أو فاسد، و الصحيح اما نافذ أو موقوف، فالقسمة ثلاثية لا رباعية، و تعبير (المجلة) مختل حيث جعلت المقسم قسمين، عندنا ان الفاسد و الباطل سواء إذ المدار على التأثير و عدمه و هما

ص: 124

سواء في عدم التأثير و ان اختلف السبب

(مادة 107)

البيع الغير منعقد:

هو البيع الباطل كأنهم اصطلحوا على البطلان فقد الأركان مثل بيع الصغير أو المجنون أو بيع ما ليس بمال. و الفساد على فقد الشروط كعدم القدرة على التسليم أو بيع المجهول. و البطلان و الفساد عندنا شي ء واحد. كما سبق

(مادة: 108)

البيع الصحيح:

هو الجائز و المشروع ذاتاً و وصفا اي من حيث ذاته و تمامية أركانه و من حيث استجماع شرائطه و عدم موانعه.

(مادة 109)

البيع الفاسد:

هو المشروع أصلا لا وصفا يعني يكون صحيحاً باعتبار ذاته فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجية و قد تقدم تفسيره.

(مادة 110)

البيع الباطل:

لا يصح أصلا و هذا واضح بعد معرفة ان البطلان فقد الأركان

(مادة 111)

البيع الموقوف:

بيع يتعلق به حق الغير كبيع الفضولي حق المقام ان يقال ان الموقوف هو العقد الذي يتوقف تأثيره على اجازة غير العاقد اما لكونه مالكا أو لتعلق حق له في أحد العوضين و الأول كبيع الفضولي و الثاني كبيع الراهن الموقوف على اجازة المرتهن و بيع المحجور عليه لسفه أو فلس الموقوف على اجازة الولي أو الحاكم

(مادة 112)

البيع الفضولي:

هو من يتصرف بحق الغير بدون إذن شرعي لا يخفى قصور هذا التعبير بل عدم مطابقته لمعنى الفضولي و حقه ان

ص: 125

يقال هو من يتولى العقد بدون اذن لا من المالك كالوكيل و لا من الشارع كالولي

(مادة 113)

البيع النافذ:

هو الذي لا يتعلق به حق الغير و هذا تعريف بالأعم إذ ليس كل بيع لا حق فيه للغير يكون نافذا بل هو الجامع لشرائط العقد الفاقد للموانع و أخصر من ذلك هو المؤثر من حينه، و ينقسم الى لازم و غير لازم

(114)

البيع اللازم:

هو النافذ العاري عن الخيارات قد مرت الإشارة الى ان العقود من حيث الجواز و اللزوم على ثلاثة أنواع (1) لازمة من الطرفين ذاتاً كالبيع و الإجارة و الصلح و الحوالة و النكاح و الصدقة و غيرها. و قد يدخلها الفسخ و الجواز لسبب عارض و لكن هي بإطلاقها لازمة (2) ما يلزم بالنسبة الى أحد الطرفين كالرهن بالنسبة إلى الراهن لا المرتهن و الخلع بالنسبة إلى الزوج لا الزوجة (3) العقود الجائزة من الطرفين كالشركة و الوكالة و المضاربة و الوديعة و غيرها

(مادة 115)

البيع الغير اللازم:

هو البيع النافذ الذي فيه أحد الخيارات هذا تعريف بالأخص بل الغير اللازم ما يجوز لكل واحد من الطرفين أو أحدهما حله لذاته أو لخيار فيه، كي يشمل العقود الجائزة

(مادة 116)

الخيار:

كون أحد العاقدين مخيرا هذا أشبه ما يكون بتفسير الشي ء بنفسه أو يشبه كونه دور. بل الخيار كما سيأتي في بابه إن شاء اللّٰه، هو سلطنة أحدهما أو كليهما على حل العقد و فسخه مطلقا أو في حدود خاصة. أو حق استرجاع كل منهما لماله على

ص: 126

اختلاف الرائين في حقيقة معنى الخيار

(مادة 117)

البيع البات:

هو البيع القطعي هذه مستدركة فان البات ان كان هو اللازم فقد تقدم و كذا ان كان هو النافذ، و ان أرادوا به المنجز في قبال المعلق فالمعلق فاسد و البات هو الصحيح و قد تقدم أيضاً فتدبره

(مادة 118)

بيع الوفاء:

هو البيع بشرط ان البائع متى رد الثمن برد المشتري إليه المبيع و هو في حكم الجائز بالنظر الى انتفاع المشتري به و في حكم الفاسد بالنظر الى كون كل من الطرفين مقتدرا على الفسخ و في حكم الرهن بالنظر الى ان المشتري لا يقدر على بيعه الى الغير.

بيع الوفاء هو المعروف ببيع الخيار أو بيع الشرط اي شرط الخيار لا خيار الشرط و قد تقدم انه عند أصحابنا الإمامية بيع صحيح نافذ كسائر البيوع الخيارية و لا وجه للحكم بأنه بيع فاسد و كون كل من الطرفين مقتدرا على الفسخ لا يجعله فاسدا و الا لفسدت أكثر البيوع الخيارية كما ان كون المشتري لا يقدر على بيعه لا يصيره بحكم الرهن على ان عدم قدرته على البيع محل كلام و سيأتي تمام البحث فيه في محله إن شاء اللّٰه

(مادة 119)

بيع الاستغلال:

هو بيع المال وفاء على ان يستأجره البائع هذه أيضاً مستدركة و هو بيع الوفاء بعينه و لا فرق بين ان يستأجره

ص: 127

البائع أو غيره و لا ثمرة عملية في البين

(مادة 120) البيع باعتبار المبيع ينقسم إلى أربعة أقسام:

بيع المال بالثمن و بما انه أشهر البيوع يسمى بالبيع المطلق، القسم الثاني بيع الصرف و الثالث بيع المقايضة و الرابع السلم و الاستصناع لا يخفى خلل هذا التقسيم و عدم نظمه و لا وجه لإدخال السلم و رديفه هنا فاعلم- ان البيع ينقسم باعتبارات شتى إلى أقسام شتى، و قد أدخلت (المجلة) بعضها في بعض و القسمة المحررة ان يقال: ينقسم البيع باعتبار جنس العوضين إلى ثلاثة أقسام لأنها اما ان يكونا معا من النقدين- اي الذهب و الفضة المسكوكين أو كلاهما من العروض اي غير النقدين، أو أحدهما من النقدين و الآخر من غيرهما، فالأول بيع الصرف، و الثاني المقايضة، و الثالث البيع الشائع، و لا بحسن رسمه بالمطلق فان الجميع مطلق من وجه و مقيد من آخر.

ثم ينقسم (ثانياً) باعتبار تعجيل العوضين أو تأجيلهما إلى أربعة أنواع أيضاً لأنه اما ان يكونا معاً حالين معجلين و هذا لا يحتاج الى تقييد في العقد بل يكفي إرسال العقد و إطلاقه. و لنسمه البيع المرسل أو المعجل و اما ان يكون الثمن معجلا و المثمن مؤجلا و هذا بيع السلم و يدخل فيه الاستصناع كما سيأتي، أو يكون الأمر بالعكس فهو بيع النسيئة، أو يكون معاً مؤجلين و هو بيع الكلي في الذمة بالكلي و يمكن جريانه في الشخصي أيضاً و قد يحمل عليه بيع الكالي بالكالي في بعض تفاسيره.

ثم ينقسم (ثالثاً) باعتبار ذكر البائع رأس المال الذي اشترى به

ص: 128

السلعة التي يريد بيعها و عدم ذكره أيضاً الى أربعة أقسام فإنه اما ان لا يذكره أصلا كما هو الغالب و الشائع و هو (المساومة)، و اما ان يذكره و يبيع بذلك المبلغ بدون زيادة و هو (التولية)، و اما ان يزيد عليها شيئاً من الربح فهو (المرابحة)، و اما ان ينقص عنها شيئاً فهو (الوضيعة) و كان على أرباب (المجلة) ان يذكروا ذلك.

و هناك تقسيمات أخرى أيضا يأتي كل قسم في محله و بما ذكرنا ظهر تحرير مادة (121 و 122 و 123 و 124) الاستصناع و سيأتي انه اما ان يكون إجارة أو سلما

(مادة 125)

الملك:

ما ملكه الإنسان سواء كان أعيانا أو منافع هذا أيضا تفسير الشي ء بنفسه كتفسير الماء بالماء و الأحسن ان يقال: ان الملك اضافة بين الإنسان و بين الأموال تقتضي سلطنته عليها ثم الأموال أعيان و منافع و حقوق و مثله ما في-:

(مادة 126)

المال:

هو ما يميل اليه طبع الإنسان و يمكن ادخاره الى وقت الحاجة منقولا أو غير منقول.

لا تليق بالكتب العلمية مثل هذه التعاريف التي يشبه ان تكون عامية و قد عرفت في صدر الكتاب انه ليس للمال حقيقة سوى اعتبار العقلاء و ليس اعتبارهم جزافاً بل له مدرك صحيح فإنهم يجعلون للموجودات الخارجية قيمة و مالية باعتبار المنافع التي تستغل منها، و بمقدار الحاجة إليها و الانتفاع بها و الثمرات المرتبة عليها فالاطعمة انما اعتبر العقلاء لها مالية بالنظر الى ما وجدوا من مسيس الحاجة إليها و توقف حياة البشر

ص: 129

عليها و هكذا الأراضي و الحيوان و المعادن كلها كانت مالا بملاك الحاجة و المنفعة، و لما كانت مالية الشي ء عند العقلاء باعتبار المنفعة به اذن فنفس المنفعة أحق بأن تكون مالا و ان تقدر لها قيمة، و كذلك الحقوق مثل حق الشرب و الاستقاء و حق المرور بل و حق الخيار و حق الشفعة كل هذه الأمور أموال لأنها بنظر العرف ذات منفعة يبذل بإزائها المال فإن شئت فقل: ان الأموال هي الأعيان و المنافع و الحقوق، و اما المالية فهو اعتبار عقلائي في الأعيان الخارجية و منافعها و ناشئ من الحاجة إليها و اختلاف الرغبات فيها ثم جعلوا لتلك الأشياء المقومة للمعايش و التي تختلف الرغبات فيها معيارا يكون ميزاناً فاختاروا للتبادل النقدين و صيروهما المقياس العام ثم توسعوا في ذلك فجعلوا الورق و ما أشبهها من نحاس و غيره بدلا عنها و مرتكزاً عليها فالمال كما ذكرنا اعتبار محض و لكن تارة يكون بالجعل المحض و اخرى يتكون من جهة المنفعة و الحاجة و غزارة الآثار و الخواص و على كل فلا دخل للميل و عدمه في مالية الشي ء و عدمها، كما لا دخل أيضاً للادخار و عدمه فيها. فالفرس مال و ان كنت لا تميل إليها، و الوردة ليست مالا و ان كان كل أحد يميل إليها، و هكذا. نعم الغالب ان المال تميل اليه النفوس و لكن ليس هو ملاك المالية و لا دخل له في حقيقتها أصلا و ان كان يلازمها في الغالب و انما تدور المالية مدار اعتبار العقلاء الناشئ من الحاجة و المنفعة المعتد بها لا المنافع التافهة كالحشرات و القاذورات و نحوها و ان كان ينتفع بها في التسميد و نحوه فتدبر و اغتنمه.

ص: 130

(مادة 127)

المال المتقوم:

يستعمل في معنيين الأول ما يباح الانتفاع به، و الثاني: المال المحرز، فالسمك في البحر غير متقوم و إذا اصطيد صار متقوماً بالاحراز.

هذان المعنيان غير متقابلين و لا متعادلين. و هذا نظير ان تقول الإنسان اما كاتب أو أبيض مع ان الأبيض يكون كاتبا و الكاتب يكون ابيضا. و ما يباح الانتفاع به قد يكون محرزاً. و المحرز قد ينتفع به و تحرير هذه المادة على الصناعة العلمية. ان المال الذي عرفت حقيقته و هو المال المتقوم أي الذي يكون له في حد ذاته قيمة، تارة تكون ماليته فعلية و اخرى تقديرية، (فالأول) كالأعيان الذي في قبضة الإنسان المحرزة عنده و (الثاني) كالأموال التي لم يحصل الاستيلاء عليها و لم تحرز في سلطة أحد مثل السمك في البحر و المعادن في الأرض و الطيور في الهواء فإذا صيدت الطيور أو استخرج المعدن صارت ماليتها فعلية و الا فهي أموال حقيقية و لكنها تقديرية و معنى كونها مالا حقيقة له ان ملاك المالية قائم فيها و هو الحاجة و عظيم المنفعة و حيث انها لم تقع بعد في اليد فليست بمال فعلا، ثم الأموال الفعلية ان كانت بحيث يباح الانتفاع بها المنفعة المهمة منها كالأكل في اللحوم و الشرب في المايعات و اللبس في الجلود فهي ذات مالية فعلية شرعية و ان كانت لا يباح منها عند الشارع المنفعة المهمة المقصودة منها، و لكن يستبيحها من لا يلتزم بالشرع أو من يتدين بشرع يبيحها كالخمرة و لحم الخنزير و ربما يبذل الكثير من البشر المال الغزير بإزائها فهي ذات مالية

ص: 131

فعلية و لكنها غير شرعية فهي أموال غير مشروعة لا يصح بيعها و شراؤها و أي معاملة عليها لان المالك الحقيقي أسقط ماليتها و لا تصح المعاوضات عنده الا على الأموال، فالشاة المذكاة مال فعلي حقيقة شرعاً و عرفاً بخلاف الميتة فإن الشارع لما حرم أكلها و هي المنفعة المقصودة من مثلها سقطت عن المالية و ان كان فيها كما في الخمرة منافع كثيرة و لكن حرمة شرب هذا و حرمة أكل تلك في الشريعة الإسلامية المقدسة أسقطها و ان كانت ماليتها محفوظة عند من لا يتدين بهذه الشريعة أو النازغين فيها و الكاذبين في الانتساب إليها، هكذا يجب ان تحرر المسائل و للّٰه المنة

(مادة 128) و مادة (129) هاتان المادتان غنيتان عن البيان و كل أحد يعرف المال المنقول و غير المنقول

فلا حاجة الى تعريفهما.

أما الأشجار و الغروس فهي من غير المنقول بخلاف الثمار و الزروع على ان الثمرة بين المنقول و غيره في الفقه نادرة.

(مادة 130)

النقود:

جمع نقد و هو عبارة عن الذهب و الفضة لا يخفى ما فيه من التسامح فان النقود هي المسكوكات من الذهب و الفضة لا مطلق الذهب و الفضة، اما غير المسكوك منهما أو المسكوك من غيرهما فهو من العروض، و النقود يعتبر في صحة التعامل بها أمران:

سكة السلطان و الوزن المخصوص و يجري عليها حكم المعدود من جهة- و حكم الموزون من جهة أخرى فلا يصح فيها الربا كما يصح في المعدودات

ص: 132

و ان كانت تعد من المعدود و لكن الوزن الخاص ملحوظ فيه و سكتة في الغالب دليل على مقدار وزنه فتغني عن اعتباره، اما المسكوكات النحاسية و أمثالها من غير الذهب و الفضة فالأقوى انها من المعدودات فقط و الوزن غير ملحوظ فيها أصلا و ان كان الأحوط اجتناب الربا فيها فلا يجوز بيعها بالتفاضل، اما الورق و الأنواط القائمة مقام النقدين فالأقوى عندنا انها تعتبر نفوذاً فيحرم فيها التفاضل و تجب فيها الزكاة و يعتبر في بيعها التقابض في المجلس و كلما يجري على النقدين يجرى عليها،

(مادة 131)

العروض:

جمع عرض (بالتحريك) و هي ما عدا النقود و الحيوانات و المكيلات و الموزونات كالمتاع و القماش.

الظاهر ان ما عدا النقدين و الأراضي داخل في العروض سيما الأطعمة و الفواكه و الافرشة و سائر الأدوات التي يحتاج إليها في مرافق الحياة

[مادة 132]

المقدرات:

ما تتعين مقاديرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذراع إلخ ..

المقدرات هي ذوات الكم من الجسم التعليمي المشتمل على الأبعاد الثلاثة و ذوات الكم ان كان متصلا فاما ان يكون المطلوب منه معرفة ثقله فيعتبر بالوزن [و الكيل طريق اليه] أو المطلوب معرفة امتداده و طوله و عرضه فيعتبر مساحته بالذراع و ان كان الكم منفصلا فبالعدد فمقادير الأجسام تعرف بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذراع و لكن الكيل يرجع الى الوزن و الذراع يرجع الى العدد فأصول المقاييس. اثنان

ص: 133

وزن: و عدد.

نعم هنا قسم آخر لم تذكره (المجلة) يغني عن الوزن و العدد و غيرهما في غير المعدود و المكيل و الموزون و هي المشاهدة كما في الأحطاب و الزروع جزة و جزتين و قطفة و قطفتين، بل و كثير من الافرشة و الألبسة كالعباء و القباء و الثياب المخيطة و الكتب و الأواني الزجاجية و غيرها و كثير من الآلات و الأدوات فكان يلزم ذكرها و لعلها أكثر من المكيل و الموزون و المعدود.

(تحرير و تحوير)

يظهر ان أصحاب (المجلة) ألفوها متأثرين بظروفهم الخاصة و المحيط الذي كانوا فيه الذي كان أكثر أهاليه ممن لا يعرفون إلا ذروا من العربية و لا يعرفون ذلك أيضاً إلا تلقيناً و تحقيناً، و قد اضطرتهم تلك الظروف ان يذكروا في (المجلة) كثيراً من المواد التي يجدها العربي الأصيل (بل و الدخيل) من الفضول و التوافه و من قبيل توضيح الواضحات مثل مادة (133) المكيل ما يكال .. (134) الموزون ما يوزن (135) المعدود ما يعد (136) المذروع ما يقاس بالذراع، و هكذا الى ان تصل المهزلة إلى مادة (160) البائع هو من يبيع (161) المشتري هو من يشتري (162) المتبايعان هما البائع و المشتري،،،

ص: 134

فهل يليق بالكتب العلمية سيما التي تدرس في المدارس العالية ان تشتمل على مثل هذه السفاسف التي هي اليوم من قبيل ما يقال (السماء فوقنا) و التي لا يترتب على نشرها أي فائدة.

(و فسر الماء بعد الجهد بالماء) و إذا كان لأصحاب (المجلة) عذر من جهة ظروفهم فأي عذر لمن يعنيهم الأمر اليوم في إبقاء هذه المواد على ما هي عليه مما لا يتناسب مع عصرنا و محيطنا، و ما العذر في ترك هذا الكتاب على علامته من دون تحرير أو تحوير، و ما دفعنا الى النهوض بهذه الاعباء إلا خدمة العلم و تسهيل السبيل إلى الأسس الرصينة لنشأتنا الحديثة و نشئتنا الناهض و تمرينهم على طلب الحقائق الجوهرية و عدم الجمود على تسطير المواد و الصناعة اللفظية، و الرصانة و المتانة هي الهدف الاسمي في كل شي ء سيما في العلوم و القضايا الحقوقية، و باللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل و أكثر المواد المسطورة هنا أعني في ذيل هذه المقدمة من ذلك الأسلوب الواهي، و اللازم ان نقتصر على المهم النافع منه: مثل.

(مادة: 145)

المثلي:

ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوت يعتد به، اختلف فقهاؤنا في تعريف (المثلي) و ما يقابله و هو (القيمي) و ليس المراد التعريف و الحد الحقيقي طبعاً بل القصد إعطاء الظابطة للتمييز بينه و بين القيمي حتى يستراح اليه عندالشك في موارد الضمانات حيث ان المثلي يضمن بالمثل و القيمي يضمن بالقيمة فلا بد من ضابطة

ص: 135

يتميز بها المثلي من القيمي. و قد اختلفت كلمات فقهائنا في تعريف المثلي و عرفه المشهور بأنه ما يتساوى اجزاؤه من حيث القيمة. يعني إذا كانت (حقة الحنطة) قيمتها درهم فربعها ربع درهم و هكذا بخلاف القيمي فإن الحيوان الذي تكون قيمة مجموعه ألفاً قد لا تكون قيمة نصفه مائتين و الجوهر الذي وزنه مثقال قد يكون قيمته ألفين و لكن ربعه قد لا تبلغ قيمته مائة، و بالجملة، كلما يكون لهيئته الاجتماعية مدخلية في ثمنه فهو مثلي و الا- فهو قيمي. ثم أطالوا النقوض على هذا التعريف و طال النقض و الإبرام و عرفوه بتعاريف اخرى تحريا للأقرب إلى الحقيقة مثل قولهم: «المثلي ما تماثلت اجزاؤه و تقاربت صفاته» و عرفه آخر بما تساوت أجزاؤه في الحقيقة النوعية يعني ان اسم الحقيقة النوعية كما يصدق على مقدار مجموع منه كذلك يصدق على كل واحد من أبعاضه حتى القبضة بل الحبة و الحبتان منها و لا بأس بهذا التعريف و ان كان ينتقض بكثير من القيميات كالجوهر. فان اسم النوع الصادق على مجموعه يصدق على أبعاضه. و قد اتفقوا على ان الجواهر بجميع أنواعها قيمية كما اتفقوا على ان المسكوكات بل مطلق الذهب و الفضة مثلية، و التحقيق عندنا في المقام: ان هذا البحث (اعني تعريف المثلي و القيمي) ينبغي ان يكون ساقطاً من أصله إذ لم يرد في دليل من كتاب أو سنة، هذان اللفظان حتى يلزمنا البحث عن معناهما و طلب المائز بينهما و أدلة الضمان كقاعدة اليد و غيرها لم تتعرض لبيان ما به الضمان و انما مفادها ان المال في عهدة واضع اليد أو المتلف أو الغار أو غير ذلك و قد أوضحنا ان معنى

ص: 136

الضمان هو العهدة عقلا و عرفاً بل و لغة و شرعاً و مقتضاه وجوب رد العين إذا كانت موجودة ورد الأقرب فالأقرب إليها إذا كانت تالفة و حيث ان الأقرب الى العين بعد تلفها هو المثل مطلقاً سواء كان مثلياً على مصطلحهم أو قيمياً بل تدور مدار صدق كونه مثله عند العرف فان تمكن من غير عسر و حرج من تحصيل مثله و حب ليدفعه الى المضمون له سواء كان تحصيله من الأسواق أو من البيوت أو غير ذلك و سواء أمكن بثمن المثل أو أقل أو أكثر إذا لم يبلغ الاحجاف فيلحق بالمتعذر و إذا تعذر المثل أو تعسر رجع الى القيمة، اما قيمة يوم القبض أو يوم التلف أو يوم الدفع أو أعلى القيم فيما بينها على الخلاف الذي مرت الإشارة اليه: و الفرق كالصبح واضح بين هذه الطريقة و طريقة المشهور فإنهم بعد ان قسموا الأشياء الى مثلية و قيمية أوجبوا ضمان المثل بمثله و القيمي بقيمته فلا حق للضامن بدفع المثلي عن القيمي مع التمكن. كما لا حق له بدفع القيمة عن المثل في المثلي مع تيسيره الا مع التراضي الذي هو كمعاملة جديدة.

اما على اختيارنا قالوا أجب عليه تحصيل المثل و دفعه مهما كان الشي ء و لا يهمنا كونه مثلياً أو قيمياً، فان تعذر أو تعسر لزمه دفع القيمة اما تعريف (المجلة) فيمكن تطبيقه على ما ارتأيناه، سوى ان التقييد بوجوده في السوق مستدرك، و لو عبروا عنه بما يمكن تحصيل مماثله بدون تفاوت يعتد به و بدون مشقة و إجحاف، و القيمي ما يتعذر تحصيل مثله أو يتعسر الا باجحاف لكان أقرب الى الصواب، و يؤيد ما اخترناه

ص: 137

من ان الأصل في الضمان هو المثل، قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ)، (وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا) أما القيمة فهي بدل قهري تقضي به الضرورة و الأحوال الاستثنائية فتدبره.

(مادة 152)

الثمن:

اشارة

ما يكون بدلا للمبيع و يتعلق بالذمة (مادة 153)

الثمن المسمى:

هو الذي يسميه و يعنيه المتعاقدان وقت البيع بالتراضي سواء كان مطابقاً لقيمته الحقيقية أو ناقصاً عنها أو زائداً، هاتان المادتان- مادة واحدة- لأن الذي يكون بدلا للمبيع هو المسمى الذي قد يساوي القيمة السوقية و قد ينقض و قد يزيد، ثم ان المسمى الذي يكون بدلا للمبيع قد يتعلق بالذمة و قد يكون عيناً شخصية فقصره على الأول مما لا وجه له على الظاهر، و تحرير القضية ان البيع مضافاً الى ما تقدم له من الأقسام ينقسم أيضاً باعتبار كلية العوضين أو جزئيتهما إلى أربعة أقسام لأنهما اما ان يكونا معاً عينين شخصيتين فالبيع شخصي أو يكونا معاً كليين فالبيع كلي أو يكون المبيع شخصياً و الثمن كلي في الذمة و لعله الغالب أو يكون بالعكس كما هو في السلم بالنسبة إلى المبيع فإنه كلي ابدا، اما الثمن فيصح ان يكون جزئياً و كلياً و تختلف هذه الأقسام في الأحكام سيما من حيث التلف قبل القبض ثمناً أو مثمنا، كما سيأتي كل واحد في محله.

(مادة 154)

القيمة:

هي الثمن الحقيقي للشي ء.

لعله غير خفي على النبيه ان ليس لشي ء من الأعيان المتقومة اعني الماليات قيمة حقيقة بل تختلف قيم الأعيان باختلاف المكان و الأزمان

ص: 138

و القلة و الكثرة و الرغبات المنبعثة عن الحاجة أحياناً و عن التوسع و الترفه في الأكثر فرب سلعة في بلد لها قيمة و في بلد آخر تجاورها أكثر منها أو أقل بل و في بلد واحد قد تختلف قيمة الشي ء الواحد باختلاف الأيام و الفصول، و هذا يكشف عن كون الأشياء ليس لها قيمة حقيقة بل ليس حقيقة القيمة إلا أمر اعتباري يختلف باختلاف الظروف التي ينشأ منها الاعتبار فقول (المجلة) ان القيمة هي الثمن الحقيقي ناشئ من عدم إمعان النظر، و الظاهر انهم يريدون ان الثمن الحقيقي في مقابل الثمن المسمى و هي قيمة الشي ء في حد ذاته، و لو عبروا بان ثمن الشي ء بذاته هو قيمته السوقية. أي لا ثمنه المسمى لكان أقرب الى الصواب،

(مادة 155)

المثمن:

هو الشي ء الذي يباع بالثمن هذا أيضاً مضافاً الى كونه من الواضحات لا يترتب عليه أي فائدة

(مادة 156)

الدين:

ما يثبت في الذمة كمقدار من الدراهم في ذمة الرجل، و مقدار منها ليس بحاضر. و المقدار المعين من الدراهم، أو من صبرة الحنطة الحاضرتين قبل الافراز فكلها من قبيل الدين.

و هذا أيضاً من الخلط الغريب فان الدين لغة و شرعاً و عرفاً ليس إلا الكلي الذي يتعلق بالذمة في مقابل العين التي يتحقق في الخارج وجودها الشخصي فالدين هو الكلي و المعين هو الشخص، و هذا مما لا يختلف فيه اثنان، نعم الكلي المطلق لا بقيد الإطلاق و بعبارة أصح: مطلق الكلي قسمان قسم منه في الذمة و هو الدين و أسباب تعلقه بالذمة كثيرة

ص: 139

واحد افراده عقد القرض لا القراض و قسم منه في الخارج و هو الذي يسميه فقهاؤنا (الكلي في المعين) مثل صاع من صبرة معية و شاة من قطيع معين فإنه أي الصاع أو الشاة كلي لانه صادق على كثيرين و هي كل صاع من الصبرة و جزئي لأنه في الخارج لا في الذمة و هو مردد في معين و هي الصبرة أو لقطيع و على كل حال فلا علاقة له بالدين أصلا و يظهر الفرق بينه و بين الصاع المشاع بالإشاعة الكسرية في أمور لا مجال لها هنا و ربما يأتي الإشارة إليها في موضع آخر إن شاء اللّٰه.

و ما بقي من المواد المذكورة هنا أي في المقدمة كلها واضح، و الجدير ان نشرع بعد الفراغ من مواد المقدمة في مقاصد الكتاب و أبوابه.

ص: 140

(الباب الأول) في بيان المسائل المتعلقة بعقد البيع

اشارة

و فيه خمسة فصول

(الفصل الأول) فيما يتعلق بركن البيع

(مادة 157) البيع ينعقد بإيجاب و قبول.

العناصر التي يتركب البيع منها ستة، (البائع، المشتري، المبيع، الثمن، الإيجاب، القبول).

و الأركان منها أربعة.

(الثمن و المثمن و الإيجاب و القبول) و لكل واحد من تلك العناصر شروط، أهمها بعد الشروط العامة (القصد) و معلومية العوضين بوجه يرفع الجهالة الموجبة للغرر، و هذان الأمران شروط و كنية و سيأتي ذكر باقي الشروط في الأمور المتعاقبة و قد ظهر من طي المباحث المغايرة ان حقيقة البيع سواء جعلناه تبديلا أو مبادلة أو تمليكا أو تملكا و نقلا أو انتقالا- هي من مقولة المعاني الإنشائية لا يكفي في تحققها قرارها الذهني و وجودها التصوري بل لا بدّ لها من مظهر خارجي تظهر فيه و تتحقق به و الذي يتحقق به إنشاء البيع اما قول أو فعل فالإنشاء

ص: 141

القولي هو العقد الذي يتحقق بالإيجاب و القبول، و الإنشاء الفعلي هو المعاطاة الذي سيأتي بحثها، فكان الجدير (بالمجلة) ان تقول ان البيع العقدي هو الذي ينعقد بالإيجاب و القبول لا مطلق البيع.

(مادة: 158) الإيجاب و القبول في البيع عبارة عن كل لفظين مستعملين لإنشاء البيع في عرف البلد:
اشارة

المراد بهذه المادة بيان ان البيع لا يشترط فيه صيغة خاصة بل يتحقق بكل لفظين يستعملان فيه حسب العرف الخاص أعم من كون الاستعمال على نحو الحقيقة أو المجاز بل يعم إطلاق الاستعمال حتى الغلط في العربية إذا جرى عليه عرف البلد و اخرج بقوله (لفظين) الإشارة و نحوها، و هذا من البحوث المهمة في باب البيع بل مطلق العقود، و تحريره يستدعي النظر في جهات،

الاولى-: ان البيع بل عامة العقود هل يتوقف صدق العقد عليها على إنشائها بألفاظ أو يتحقق عقديتها بإنشائها و لو بالفعل

كالتعاطي أو الإشارة أو الكتابة أو غير ذلك و قد اختلف الفقهاء في ذلك و الذين ذهبوا الى ان المعاطاة لا تفيد التمليك بنوا ذلك على اعتبار اللفظ في العقود و لخلو التعاطي عنه لا تكون المعاطاة عقداً فلا يكون مفادها التمليك بل الإباحة و الاذن و الظاهر اتفاقهم على ان إشارة القادر على اللفظ لا تكون عقداً كما ان كتابته كذلك كما اتفقوا على ان إشارة العاجز كالأخرس و كتابته تكون عقداً بنظر العرف مع العجز عن التوكيل أو مطلقاً كما هو الأقوى لأن إشارته عندهم تقوم مقام لفظه و لذا قدمها

ص: 142

الأكثر على الكتابة لأنها ليست ألفاطاً و لا تقوم مقام اللفظ، نعم هي تحكي عن الألفاظ و الألفاظ تحكي عن المعاني، و اما كفاية الفعل كالتعاطي عن القول، فسيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه، فلو قلنا بعدم صدق العقد على الفعل و نحوه من غير الألفاظ و عدم تأثير غير ما دلت السيرة على تأثيره و شككنا في اعتبار شي ء في التأثير فالمرجع طبعاً إلى أصالة عدم التأثير و لا إطلاق يرجع اليه بخلاف ما لو قلنا يعدم اختصاص صدق العقد بالألفاظ فإن المرجع بحكم الإطلاق إلى أصالة الصحة الناشئة من أصالة عدم الاعتبار.

الثانية-: بناء على اعتبار الألفاظ في صدق طبيعة العقد فهل يعتبر فيها ألفاظ مخصوصة

أو يكفي كل ما دل علي طبيعة العقد أو مما استعمل فيه مجازاً أو غلطاً و لو بالقرينة فكما يتحقق طبيعة البيع بإنشائه بالألفاظ الخاصة بالإيجاب مثل بعت و شريت أو الخاصة بالقبول مثل اشتريت و ابتعت و قبلت. كذلك يتحقق بالألفاظ الدالة عليه باللازم مثل ملكت و نقلت و عاوضت و أمثالها فإن حقيقة البيع هي المبادلة و هي من لوازم تلك العناوين بل بما هو أوسع و أبعد كاستعمال اللوازم العامة مثل خذ هذا بكذا أو هو لك بكذا و ما أشبه ذلك، و يتمطى الجواز حتى يتناول استعمال صيغة عنوان عقد خاص في عقد آخر فيستعمل البيع في الإجارة: فتقول بعتك منفعة الدار بكذا. و الإجارة بالبيع فتقول:

آجرتك الدابة ملكا بكذا. و البيع في الهبة مثل- بعتك الكتاب بلا عوض و بالعكس مثل- وهبتك الثوب بعوض كذا و يطرد هذا

ص: 143

في سائر العقود فما كانت هناك مناسبة و علاقة كان مجازا و الا كان غلطا و لا منافات عند المجوز بين غلطية اللفظ و صحة العقد لان المدار في العقد عنده على تحقق الإنشاء باللفظ مهما كان، هذا تصفية تصوير الوجوه و الأقوال على الإجمال، اما التحقيق عندنا فهو ان عناوين العقود الخاصة، كالبيع و الإجارة و الصلح و الهبة و نظائرها لا تتحقق إلا بإنشائها بالألفاظ و لا يلزم ان تكون تلك الألفاظ مشتقة من نفس ألفاظ عناوينها بل يكفي كل لفظ دل عليها في نفس ذلك الاستعمال و لو بمعونة القرينة حالية أو مقالية فالمدار على التفاهم بين المتعاملين و ان يفهم كل منهما مراد الآخر حتى يقع القبول مطابقاً للإيجاب سواء كان استعمال تلك الألفاظ فيما قصداه، صحيحاً أو غلطاً، حقيقة أو مجازا، و أفق عرف البلد أو خالفه، لان العقد ليس الا إنشاء المعنى بلفظ مفهم للمقصود بنفسه أو بالقرينة. و لا نقول: ان العقد منحصر بالإنشاء اللفظي بل نقول ان الإنشاء اللفظي عقد قطعاً بل أظهر أنواع العقد اما انه يتحقق بالإنشاء الفعلي أم لا فسيأتي تحقيقه قريبا إن شاء اللّٰه و (بالجملة) فلا نجد العرف يعتبر في حقيقة العقد أكثر من القصد إلى إيجاد المعنى باللفظ و لازم قصد إيجاده و تحقيقه التزامه به حتى في العقود الجائزة فإن العقد الجائز أيضا قد التزم الطرفان بمضمونه و لكن ما دام العقد و غاية الفرق بينه و بين اللازم ان ذاك له ان يحله متى شاء بخلاف الثاني. اما في ظرف عدم حله فيجب الوفاء به و تترتب آثاره عليه و قد أشرنا فيما سبق الى ان وجوب الوفاء في الآية يمكن ان يعم كل عقد خرج بالدليل

ص: 144

العقود الجائزة من حيث جواز حلها و ما عدا ذلك فيجب العمل على طبقها فيها و في سائر العقود و هذا هو مدرك أصالة العقود كما تقدم.

و القصارى ان العقد يتحقق عرفا بإنشاء معناه لفظا مطلقا بشرط إفهام القصد و المراد و لو بالقرينة و لكن اللزوم الشرعي و وجوب الوفاء يمكن منع شموله لكل عقد عرفي حتى ما أنشأ باللفظ الغير الموضوع لذلك العنوان و سره ان اللام في العقود التي في الآية ظاهرة في العهد لا الجنس فيكون الحكم ثابتا للعقود المعهودة في العرف الشائعة فيما بينهم لا مطلق ما يستعملونه و من المعلوم ان الشائع المتداول من العقود عندهم هو ما كان إنشاؤه بالألفاظ المنتزعة من عنوان ذلك العقد فالمتداول من عقد البيع هو ما يشتق من هذا العنوان و أخواته مثل: بعت و اشتريت، و شريت و ابتعت و قبلت لا مثل ملكت (بالتشديد) و تملكت و نقلت و عاوضت و أشباه ذلك، و هكذا عقد الإجارة فإن المتعارف المتداول ما يشتق من عنوانه كاجرت لا من لوازمها و توابعها مثل تمليك المنفعة و نحوها و هكذا الكلام في سائر العقود ذوات العناوين الخاصة كالهبة و الصلح و المزارعة و المساقات فكل عقد كان إنشاؤه بألفاظ منتزعة من عنوانه فهو لازم يجب الوفاء به و الا فشمول الدليل له غير معلوم و الأصل هنا عدم اللزوم عند الشك في شمول الدليل لعدم إحراز العموم أو الإطلاق فإن مصب العموم ضيق كما عرفت، إذاً فليس كل عقد عرفاً يجب الوفاء به شرعا بل هي تلك العقود الخاصة بعناوينها المخصوصة و منه يستبين حال استعمال الكنايات القريبة أو البعيدة مثل

ص: 145

«بارك اللّٰه لك في صفقتك» أو «شايف الخير»، و نحو ذلك مما يستعمله العرف بعد المساومة لإطلاق البيع و إظهار الموافقة، فإن قصد به القائل إنشاء البيع كما هو الغالب حيث يريدون به معني بعتك فهو عقد و لكن لزومه غير. معلوم على ان تحقق الإنشاء به محل نظر فإن إنشاء اللازم ليس إنشاء للملزوم فان الدعاء بالبركة و ان كان لازمة ان يكون له و لكنه ليس إنشاء لجعله له فهو محتاج إلى عناية أخرى بأن ينسلخ عن معنى الدعاء و يتمحض لنوع آخر من الإنشاء و ان لم يقصد النقل و التمليك فلا إشكال في عدم كفايته، هذا كله من حيث مواد الألفاظ التي تستعمل لإنشاء البيع و سائر العقود، اما من حيث الهيئات فيتضح بالنظر في-:

(الجهة الثالثة) و هي ان البيع و نحوه من العقود، لما كان من المعاني الإيجادية التي لا حقيقة لها في الخارج الا بنفس إنشائها و إيجادها

فإذا أنشئت تحققت و وجدت، و حيث ان هيئة الماضي هي الصريحة في الدلالة على الثبوت و تحقق الوقوع و مفادها الصريح تحقق نسبة وقوع الفعل من الفاعل و لذا كان بذاته مجرداً عن الزمان و انما يدل على الزمن باللازم عند الإطلاق و كثيراً ما يطلق على نسبة وقوع الفعل في المستقبل بغير عناية و تجوز مثل (إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ) و (أَتىٰ أَمْرُ اللّٰهِ)، و نظائرها فمدلول هذه الصيغة الخاصة مطابقة هو الثبوت و التحقق فإذا استعملت في العقود من بيع و نحوه دلت صراحة على تحقق وقوع معانيها و ثبوتها فكانت هي الهيئة

ص: 146

الصريحة في إنشاء تلك المعاني المحتاجة الى ما يدل على تحقق وقوعها إذ لا حقيقة لها إلا بإنشاء ثبوتها و تحقيقها، اما هيئة المضارع فمدلولها الصميم ليس الا نسبة المبدء الى الذات اي الفعل الى الفاعل فهو كاسم الفاعل حقيقة و لذا سمي بالمضارع سوى ان الفعل يدل على نسبة المبدإ إلى الذات و تلبسها به و اسم الفاعل يدل على تلبس الذات بالمبدإ و نسبتها له فهو مترتب عليه و متأخر رتبة عنه فتقول: يضرب فهو ضارب، و هو أيضاً مجرد عن الزمان و يصلح للماضي كما في قولك: لم يضرب، و يتمحض للاستقبال كما في سوف يضرب، و يتردد بين الحال و الاستقبال كما لو تجرد. و على اي فحيث ان مدلولهما الصريح تلبس المبدأ بالذات أو تلبس الذات بالمبدإ من دون نظر الى زمان و لا الى تحقق ذلك لم يكن صريحاً في الثبوت و الوقوع و ربما يكون كل منهما دالا عليه عند الإطلاق و لكن باللازم و قد عرفت ان المعتبر في العقود الصراحة و ان إنشاء أحد المتلازمين لا يستلزم إنشاء الآخر و ان عدم الانفكاك في المتلازمين انما هو في الخارجيات لا الإنشائيات، (و القصاري) أن هيئة الماضي هي الصريحة في العقود و سيما البيع، و لذا اتفقوا قولا واحدا على تحقق العقد بها و اختلفوا في المضارع و اسم الفاعل و الحق انهما لا يصلحان لإنشاء المعاني العقدية بهما الا مع القرينة فتقول: أنا بائع تريد إنشاء البيع و تحقيقه بذلك مع القرينة الواضحة من حال أو مقال فليس هو و لا مضارعه من صيغ العقود الصريحة كالماضي و اما صيغة الأمر و الطلب مثل بعني أو زوجني و نحوهما فهي أبعد من المضارع

ص: 147

و أخيه بكثير إذ ليس هو إنشاء للبيع بل طلب إنشائه من الغير فهو استدعاء محض اما لزوماً ان كان من العالي أو التماساً و رجاء ان كان من غيره فإذا قال بعني و قلت له بعتك لا بد من ان يتبعه بقوله قبلت و الا فلا عقد، إذاً فالماضي هو المتعين في العقود و ما عداه لا يكفي إلا بتكلف و عناية لا يصح الاعتماد عليها في العقود، و ما ورد في بعض الاخبار من كفاية الطلب حيث قال: زوجنيها يا رسول اللّٰه، ان لم يكن لك بها حاجة، و ما في شراء العبد الآبق و بيع المصحف و غيرها مما هو ظاهر في كفاية المضارع و الأمر محمول على المقاولة قبل البيع تمهيداً لإجراء الصيغة لا الاكتفاء بنفس ذلك القول: نعم في خصوص الطلاق و العتق بل و الوقوف و الصدقات جعل الشارع الصيغة المخصوصة لها أسماء الصفات و اسم الفاعل مثل: أنت طالق و أنت حر و داري صدقة أو وقف كل ذلك للدليل الخاص و لا يجوز التعدي عنها الى غيرها فلا يصح داري إجارة أو مأجورة و نحو ذلك قطعاً، اما اعتبار العربية في صيغ العقود فان كان المراد به عدم كفاية الألفاظ المرادفة للبيع في اللغات الأخرى فهذا مما لا دليل عليه بل الأصح ان الأدلة العامة (ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (ك أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) شاملة لكل عقد في كل لغة غايته انها على نحو ما حققناه من كون الملحوظ فيها العقود المنشأة بألفاظها المأخوذة من عناوينها الخاصة سواء في لغة العرب أو غيرها، و ان كان المراد باعتبار العربية إخراج الملحون، مادة أو هيئة الخارج عن قواعد العربية فالتحقيق ان اللحن ان لم يكن مغيراً للمعنى كما لو قال: بعتك

ص: 148

(بفتح الباء أو التاء) لم يقدح، اما لو كان مغيرا كما لو أدخل الهمزة فقال. أبعتك أو شوش نظم المادة فقال جوزتك مكان زوجتك أو استعمل المشترك اللفظي أو المعنوي أو المجاز و لم ينصب قرينة فتحقق حقيقة العقد بها مشكل و على تقديره فلزومه غير معلوم ان لم يكن معلوم العدم، هذا تمام القول فيما يتعلق بهذه المادة و منه يعلم ان عرف البلدة لا خصوصية له فلو قالوا الإيجاب و القبول لفظين مستعملين لإنشاء البيع عن وضع أو قرينة لكان أصح و أوسع فتدبر و باللّه التوفيق.

(مادة 169) الإيجاب و القبول يكونان بصيغة الماضي بدون النية

كبعت و اشتريت و اي لفظ من هذين ذكر أو لا فهو إيجاب و الثاني قبول، فلو قال البائع بعت و قال المشتري اشتريت أو قال المشتري أو لا اشتريت ثم قال البائع بعت انعقد البيع و يكون لفظ بعت في الأولى إيجاباً و اشتريت في الثانية بالعكس، و ينعقد البيع أيضاً بكل لفظ ينبئ عن إنشاء التمليك و التملك كقول البائع أعطيت أو ملكت و قول المشتري أخذت أو تملكت أو رضيت و أمثال ذلك.

تضمنت هذه المادة ثلاثة أمور.

الأول:- انعقاد البيع بالماضي و قد عرفت الوجوه في انها هي الصيغة الصريحة و ما عداها بين مقطوع بعدم صحته و بين مشكوك.

الثاني:- إعادة ما سبق في مادة (101) من ان الإيجاب هو أول الكلام إلخ و تحرير هذه المسألة ان الإيجاب و القبول اما ان يقترنا أو يتقدم أحدهما على الآخر و على كلا الفرضين فأما ان يكونا بلفظ بعت

ص: 149

و قبلت أو بغيرهما و على فرض التقدم و التأخر، فأما ان يتقدم الإيجاب و يتأخر القبول أو العكس فهنا ست صور: تقدم الإيجاب على القبول و هي القدر المتيقن و المتفق على صحتها كالاتفاق ظاهرا على بطلان عكسها و هي: تقدم القبول، (الثالثة) افترانهما بصيغة بعت و قبلت و الصحة محل نظر كا (لرابعة) و هي افترانهما بغيرهما من الصيغ (الخامسة) تقدم بعت إيجاباً و تأخر اشتريت قبولا أو العكس تقدم اشتريت و تأخر بعت و لا إشكال في صحة الاولى و يشكل صحة عكسها (السادسة) التأخر و التقدم في ابتعت أو بعت أو رضيت أو العكس و حالهما حال سابقتيهما، و قد يتصور أكثر من ذلك و لكن يعرف حال كثير منهما مما ذكرنا، و (الضابطة) انه كلما كان من أحدهما قبول أو بمعناه من الرضا و الإمضاء و نحوهما فلا بد من تأخيره لما مرت الإشارة إليه من ان نحوه نحو المطاوعة و التأثر و يستحيل تحقق التأثر قبل المؤثر و الانفعال قبل الفعل كاستحالة تقدم المعلول على العلة و إذا لم يكن من أحدهما القبول و ما بمعناه مثل ابتعت و بعت و اشتريت و بعت ففي الحقيقة كل منهما موجب و قابل باختلاف الاعتبار بل يمكن الحكم بالصحة حتى مع التقارن في هذه الصيغ و يمكن فيها تطرق التفصيل بين ما إذا كان البيع صرفاً أو مقايضة فكل منهما موجب و قابل تقارنا أو تقدم أحدهما على الآخر، اما لو كان أحد العوضين سلعة و الآخر نقداً فصاحب النقد مشتريا و قابلا و صاحب السلعة بائعاً و موجباً تقدم أو تأخر على ان ترتب الثمرة على تعيين الموجب من القابل قليلة و الفائدة العملية معدومة

ص: 150

ضئيلة، الثالث:- من الأمور إعادة ما أشير إليه في المادة المتقدمة من كفاية كل ما ينبئ عن التمليك و التملك، و قد عرفت أوسع ما ينبغي من التحقيق فيه و منه يظهر لك القدح فيما ذكرته (المجلة) هنا من انعقاد البيع بمثل قول البائع أعطيت و ملكت و قول المشتري رضيت فان الإعطاء ظاهر في التمليك المجاني فهو من صيغ الهبة و لا يجوز استعماله في البيع الذي هو رأس عقود المعاوضات الا غلطاً أو مجازاً بعيداً فلا يكون عقد بيع و لو سلم فلا يكون لازماً لما عرفت و أيضاً فإن الرضا لا يصح استعماله قبولا في مطلق العقود اللازمة لأن معنى القبول فيها يتضمن معنى يستلزم التعهد و الالتزام و الرضا اذن و موافقة لا تعهد و التزام فتدبره جيداً،

(مادة 170) ينعقد البيع بصيغة المضارع إذا أريد بها الحال كابيع و اشتري و إذا أريد بها الاستقبال لا ينعقد

قد ظهر لك مما أفضنا قبل في بيانه ان المضارع لا يدل على أكثر من نسبة المبدإ إلى الذات و تلبسها به و هذا غير كونه محقق الوقوع فإن أريد منه الحال بالقرينة كان لازمة كونه محقق الوقوع فيدل على إنشاء المبادلة أو التمليك باللازم و كفايته في العقود محل نظر و هذا بخلاف الماضي فإنه صريح بالوقوع و الثبوت، فليفهم، و قد عرفت ان طلب وقوع الشي ء غير نفس وقوعه بل طلبه ظاهر في عدم تحققه و حصوله و هو عكس المقصود بالبيع و نحوه و منه يعلم مادة (171) التي هي تكرار

ص: 151

للمادة التي قبلها و مادة (172) لا ينعقد البيع بصيغة الأمر كبع و اشتر إلخ و يريد باقتضاء الحال القرينة على إرادة إنشاء البيع بصيغة الأمر و هو من قبيل استعمال الشي ء في ضده فان قولك بع طلب إنشاء وقوعه الظاهر في انه غير واقع فلو استعملته في إنشاء تحقق وقوعه كان استعمالا في شبه ضده و حاله حال المضارع بل أسوء.

(مادة 173) كما يكون الإيجاب و القبول بالمشافهة يكون بالمكاتبة أيضاً،

قد عرفت ان الكتابة عندنا لا تصلح للعقد و حالها حال الإشارة من القادر، نعم مع العجز و عدم إمكان التوكيل قد يكتفي بالكتابة و مع دوران الأمر بينها و بين الإشارة في العاجز لا يبعد رجحان الإشارة لأنها أقرب الى اللفظ كما في مادة (174) ينعقد البيع بالإشارة المعروفة للأخرس، اما الرسالة اي إرسال رسول لإجراء البيع فان كان بنحو الوكالة صح و الا فهو فضولي، و تلخص من كلها سبق ان الماضي هي الصيغة الصريحة في عامة العقود باتفاق الجميع (بدون نية) اي بطبيعتها و من غير حاجة الى قرينة كما في قرينية و الا فقصد الإنشاء لازم في الجميع و لو عبرت (المجلة) بذلك لكان أبعد عن الإبهام.

اما الأمر و المضارع فيصح استعمالهما في العقد عند أصحاب (المجلة) و لكن مع النية و قصد الحال بهما اي و مع القرينة كقول العاقد أبيعك الآن أو حالا أو نحو ذلك، اما عندنا فمشكل و كونه عقداً لازما أشكل.

ص: 152

(بيع المعاطاة) (مادة 175) حيث ان القصد الأصلي من الإيجاب و القبول هو تراضي الطرفين فينعقد البيع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي و يسمى هذا بيع التعاطي،

مثال ذلك ان يعطي المشتري للخباز مقداراً من الدراهم فيعطيه مقداراً من الخبز بدون إيجاب و قبول أو ان يعطي المشتري الثمن للبائع و يأخذ السلعة و يسكت البائع، هذا هو بيع المعاطاة المشهور، و في عبارة (المجلة) أيضا نوع من التسامح حيث جعل القصد الأصلي من العقد أي الإيجاب و القبول هو التراضي مع ان الرضا و التراضي اذن و إباحة و هو غير ما هو المقصود بالعقود فان المهم فيها هو إنشاء التمليك و المبادلة، و الرضا بتصرف الغير في ملكك معنى، و جعل مالك ملكا للغير معنى آخر، و المعاطاة التي هي أخت العقد اللفظي هي التي يقصد بها إنشاء البيع و التمليك و هذه هي التي ينبغي ان تكون محل الكلام و موضع النقض و الإبرام الا التي يراد بها الرضا و إباحة التصرف و حلية الانتفاع شبه العارية و نحوها، نعم اختلف فقهاؤنا أشد الاختلاف في موضوعها و المعنى المقصود منها في موضع النزاع كاختلافهم في حكمها فقيل هو ما قصد به المتعاطيان الإباحة و قيل ما قصد به التمليك و قيل ما تجرد عن كل منهما كما كان الأقوال في حكمها كثيرة من حيث الصحة و الفساد

ص: 153

و الجواز و اللزوم و قد تنتهي إلى ستة هي بين إفراط و تفريط فهي بيع فاسد عند بعض و بيع صحيح لازم كالبيع بالألفاظ عند آخرين و بيع صحيح و لكنه جائز و انما يلزم بتلف أحد العوضين أو كليهما و هذا هو أوسط الأقوال و أقربها إلى القواعد، و ذهب جماعة انها تفيد إباحة التصرفات اما مطلقاً أو خصوص مالا يتوقف على الملك، و صفوة ما عندنا هنا من التحقيق ان المشاهد المحسوس من حالنا بل و من حال غيرنا من صغير أو كبير في شراء حقير أو خطير حتى الطفل المميز إذا اشترى شيئاً من الأسواق لا يقصد بدفعه المال من نقود و غيرها بإزاء ما يأخذه من السلعة إلا مبادلة ذا بذاك و قطع علاقته من العين المدفوعة منه بالكلية عوض استيلائه على العين المأخوذة من الآخر فيصح على هذا تعريفها التحقيقي أو التقريبي بأنها عبارة عن ان يدفع كل من اثنين ماله الى الآخر عوض ما يدفعه الآخر له، و قد مر عليك ان إنشاء التمليك لا بدّ له من أمر خارجي يتحقق به و يكون آلة لإيجاده، و الألفاظ هي الأدوات التي يبنى العقلاء على إظهار مقاصدهم بها حكاية أو إيجادا يعني خبراً أو إنشاء، ثم في الرتبة الثاني، الأفعال فإن للأفعال ظهورا كما للأقوال و ينشأ بها المعاني الاعتبارية كما ينشأ بالأقوال فكما انك إذا قلت لشخص هذه العين لك، تارة تريد اخباره بأنها له، و تارة تريد إنشاء تمليكها له، فكذلك إذا دفعتها له و أنت ساكت قد تريد ان دفعها اليه من جهة انها ملكه و ماله العتيد، و تارة تريد إنشاء انها له فتكون من ماله الجديد، فهذا عقد و التزام ضمني و لكنه فعلي لا قولي

ص: 154

و هو مع قصد التعاوض بيع و يشمله (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ)، و لكنه ليس كالعقد القولي يجب الوفاء به لما عرفت قريباً من ان (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا تشمل الا العقود اللفظية المنشأة لعناوينها الخاصة بها فأحل اللّٰه البيع تثبت مشروعية هذا العقد و انه مؤثر، و لكن دليل اللزوم قاصر عنها فتكون جائزة و لكل من الطرفين الرجوع ما دام كل من العوضين قائما موجوداً اما مع تلفهما أو تلف أحدهما فيأتي اللزوم كما هو الشأن في جميع العقود الجائزة، كالهبة و غيرها (و سره) ان المالك سلطه على العين بجميع شؤنها و لازمة ان له جميع التصرفات حتى الناقلة و الموقوفة على الملك و لازم ذلك ان لا رجوع مع التلف أو الإتلاف لأن حق الاسترجاع انما هو مع بقاء العين و قيامها، اما مع تلفها فقد زال الموضوع و سقط الحق و لزم العقد، و من نفس عنوان هذا النوع من البيع يعلم انه لا يتحقق إلا بالتعاطي من الطرفين حقيقة أو حكما فإن المشتري إذا اعطى الثمن للبائع و أخذ السلعة و البائع ساكت فان سكوته الكاشف عن رضاه يقوم مقام عطائه كما ان أخذ المشتري يكون كإنشاء للتملك و التمليك و سكوت البائع إمضاء، و كذا دفع القصاب قطعة اللحم و أخذ المشتري لها بعد طلبه محقق للتعاطي حقيقة اما قبل أخذ المشتري لها فالبيع لم ينعقد و الاستدعاء لا يجعل المشتري ملتزماً و قد عرفت ان كلا من البائع و المشتري له العدول و الفسخ بعد تحقق البيع بالتعاطي لأنه عقد جائز فكيف لا يجوز قبل ان تتم المعاطاة التي هي بمنزلة الإيجاب و القبول و الاستدعاء لا يكون قبولا و دفع القصاب اللحم كإيجاب بلا قبول فما

ص: 155

وجه حكم (المجلة) بأنه ليس للمشتري الامتناع من قبوله و أخذه بل له الامتناع على التحقيق حتى بعد أخذه أي له الرجوع و العدول لانه بيع جائز و لا يلزم الا بتلف أحد العوضين حقيقة أو حكما كما لو باعه أو رهنه أو ما يشبه ذلك، و من الغريب قول القائل: ان الإيجاب و القبول انما اعتبرا في البيع لقيامهما مقام التعاطي حكما، فقد جعل التعاطي أصلا و الإيجاب و القبول فرعاً، مع ان الأمر بالعكس فإن الأصل في الخيريات و الإنشائيات هو اللفظ، و القول و الفعل و التعاطي فرع و تبع له باتفاق أهل العلم، و (بالجملة) فإن إنشاء التمليك بالفعل انما يكون بيعاً و يحصل به النقل و المبادلة إذا توفرت فيه جميع شروط البيع من معلومية العوضين و عدم الغرر و القدرة على التسليم و قصد المتعاقدين و رشدهما و اختيارهما الى غير ذلك من شروط البيع الآتية لا يفقد شيئاً من شرائطه و مقوماته سوى الإيجاب و القبول الذي يقوم تعاطيهما مقام هذين الركنين و يلزم فيهما كل ما يلزم في الإيجاب و القبول من التوالي و نحوه، فالتعاطي من طرف واحد كإيجاب بلا قبول أو قبول بلا إيجاب، نعم يكفي من أحدهما العطاء حقيقة و من الآخر حكما و هو كثير، و منه وضع الفلس في دكان بائع البقل أو محفظته و أخذ باقة البقل و نظائر ذلك، و منه في الإجارة دخول المغتسل الى الحمام و وضع الأجرة المعلومة في صندوق صاحب الحمام و هكذا، و مما ذكرنا يتضح أيضاً ان البيوع الفاسدة مطلقاً لا تدخل في باب المعاطاة بل لها حكم آخر ربما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه.

ص: 156

كما يتضح ان المعاطاة على القول بإفادتها الملك أو الإباحة يصح جريانها في غير البيع من العقود جائزة أو لازمة، يعني كالإجارة أو كالهبة و لا تلزم في الإجارة أو غيرها الا بالتلف الحقيقي أو الحكمي أو القيام بالعمل فتدبره جيداً، هذا أوجز ما ينبغي ان يقال في اختصار بيع المعاطاة. و هذا أقل قليل مما ذكره فقهاؤنا سيما المتأخرين منهم في المطولات و لعله قليل يعني عن الكثير.

و من أراد ان يعرف سعة فقاهة الإمامية و دقة افكارهم و غزارة مادتهم فليرجع إلى مؤلفاتهم المبسوطة في هذا الباب.

(مادة: 176) إذا تكرر عقد البيع بتبديل الثمن أو تزييده أو تنقيصه يعتبر العقد الثاني.

فلو تبايع رجلان مالا معلوماً بمائة فرش ثم بعد انعقاد البيع تبايعا ذلك المال بدينار أو بمائة و عشرة أو بتسعين قرشاً يعتبر العقد الثاني.

في هذا الموضوع أيضاً إجمال و اشكال و تحرير ذلك حسب القواعد المتفق عليها. ان الإيجاب و القبول إذا وقعا جامعين للشرائط فقد انتقل مال كل واحد من المتبايعين الى الآخر غايته انهما ما داما في مجلس العقد يجوز لكل منهما الفسخ و حينئذ فإذا تبايعا ثانياً بمعنى ان البائع باع ثانياً ما باعه أولا فإن كان بذلك الثمن فالثاني لغو طبعاً، و ان كان بثمن آخر. و الفرض ان المشتري واحد فان قصد ضمن البيع الثاني فسخ الأول و لو بقرينة مقامية أو ظهر منهما التباني على التقابل صح

ص: 157

الثاني و انحل الأول طبعاً و ان لم يقصدا فسخاً و لا إقالة فالبيع الثاني باطل لانه باع مالا يملك على من يملك فتدبره جيداً على وضوحه.

(الفصل الثاني) في بيان لزوم موافقة القبول للإيجاب

يعني يلزم ان يقع القبول على ما وقع عليه الإيجاب جنساً و قدراً و وصفاً و غير ذلك، فلو باعه المجموع بألف ليس له ان يقبل نصفه بخمسمائة و هكذا في سائر الجهات على ما ذكروه في مادة (177)، نعم لو قبل البائع بذلك ثانياً أو اشترط القابل شرطاً لم يذكر في الإيجاب ثم قبل به الموجب ثانياً فلا يبعد في هذا و أمثاله الصحة، و «الضابطة» انه كلما كان القبول بالنسبة إلى الإيجاب من قبيل الأقل و الأكثر أو الإطلاق و التقييد صح بالقبول ثانياً، و كلما كان من قبيل المتباينين كما لو قال بعتك الدار فقال قبلت الدابة فهو باطل و لا يصح بقبول البائع ثانياً و وجهه واضح، و الظاهر ان هذا هو المشار إليه بمادة (178) تكفي موافقة القبول للإيجاب ضمنا فلو قال بعتك هذا بألف

ص: 158

قرش و قال المشتري اشتريته منك بألف و خمسمائة انعقد البيع على الألف الا انه لو قيل البائع هذه الزيادة في المجلس لزم المشتري ان يعطيه الخمسمائة التي زادها أيضاً إلخ،،، و لا فرق في هذا بين الثمن و المثمن فكما جاز الاختلاف في الثمن بذلك يجوز مثله في الثمن، فلو قال: بعتك هذين الكتابين أحدهما بمائة و الآخر بخمسين صح للمشتري ان يقول قبلت الأخير بخمسين فما ذكروه عن الامام مالك في مادة (179) لم يظهر وجهه و إذا وقفنا جموداً على ما وقع عليه الإيجاب فاللازم المنع في المقامين و لا وجه للتفكيك، نعم لو باعه أنواعاً متعددة بثمن واحد صفقة واحدة من دون تعيين ثمن لكل واحد كان الأوجه عدم الصحة لو قبل المشتري بعضها بثمن يعينه من نفسه و ان كان لا يخلو من وجه إذا رضي البائع ثانياً، فليتأمل، اما مع تكرر الإيجاب و تعيين ثمن لكل واحد فلا إشكال في صحة قبول بعض دون بعض كما في مادة (180) لأنه بحكم عقود متعددة، و اعلم ان من حق متانة التحرير ان يعقد هذا الفصل لشرائط الإيجاب و القبول فيقال، 1-: مطابقة الإيجاب للقبول.

2-: توالي الإيجاب و القبول.

3- التنجيز فيهما اي (عدم التعليق).

4-: بقاء كل من الموجب و القابل على الأهلية إلى تمام العقد فلو

ص: 159

عرض إغماء أو جنون أو موت للموجب قبل ان يتم القبول بطل العقد.

5-: العربية.

6-: الماضوية.

7-: الصراحة.

و قد تتداخل أيضاً شرائط الموجب و القابل في شروط العقد أي الإيجاب و القبول كالبلوغ و الرشد و القصد و الاختيار و الملك و عدم الحجر و عدم تعلق حق للغير كالرهن و غير ذلك.

ص: 160

(الفصل الثالث) في حق مجلس البيع

(مادة: 181) مجلس البيع هو الاجتماع الواقع لعقد البيع

مجلس البيع عبارة عن الموضع الذي جرى فيه الإيجاب و القبول من المتبايعين سواء كانا مجتمعين في محل وجهاً لوجه أو متفرقين و لو في بلدين متباعدين و اسمع كل منهما كلامه للآخر و لو بآلة كالهاتف و نحوه و يكون مجلس البيع حينئذ هو موضع كل منهما حين العقد فلو انتقلا أو أحدهما عنه فقد تفرقا، و كذا لو كانا متباعدين في صحراء و أوصل كل منهما صوته للآخر، فمجلس البيع هو موضع المتعاقدين عند العقد حقيقة لا حكما غايته انه أعم من ان يكونا مجتمعين أو متفرقين.

و على هذا يترتب خيار المجلس الذي سبق إجماله و سيأتي تفصيله.

(مادة: 182) المتبايعان بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس

مثلا لو أوجب أحد المتبايعين البيع في مجلس البيع فقال بعت و لم يقل الآخر اشتريت على الفور بل قال ذلك متراخياً قبل انتهاء المجلس ينعقد البيع و ان طالت المدة، تنحل هذه المادة إلى قضيتين.

الاولى-: ان كلا من المتبايعين بعد الإيجاب و قبل القبول مخير بين إكمال العقد و بين إبطال ما وقع منه فالبائع له ان يعدل عن إيجابه و المشتري له ان لا يلحقه بالقبول أصلا فيبطل الإيجاب، و هو على انه

ص: 161

واضح غني عن البيان يكون حينئذ عين مادة (183)، لو صدر من أحد العاقدين قول أو فعل يدل على الاعراض بطل الإيجاب إلخ،،، و وجب الاكتفاء بتلك عن هذه.

الثانية-: ان طول المدة بين الإيجاب و القبول و طول الفاصل بينهما لا يقدح في صحة العقد، و هذه قضية مستقلة و لا تصلح ان تكون مثالا للقضية الأولى كما لا يخفى على المتدبر.

اما فقهاء الإمامية فيعتبرون التوالي بين الإيجاب و القبول لازما بحيث يكونان كالكلام الواحد الذي له هيئة اتصالية فلو حصل فصل يقدح بذلك الاتصال و لو قليلا فضلا عن الكثير بطل، و هذا من الواضحات التي يوجب تصورها تصديقها، فان الفاتحة مثلا سورة واحدة و لها هيئة اتصالية مخصوصة فإذا قيل اقرإ الفاتحة و قلت الحمد و بعد ساعة قلت للّٰه و هكذا حتى أتممتها في عشرين ساعة لا يقول العرف انه قرأ الفاتحة، و هكذا في كل ماله هيئة تأليفية و لذا قالوا: للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء و لكن ما دام مشغولا بالكلام فإذا انقطع عد كلاماً ثانياً و عليه بنوا قضية الإقرار و الاستثناء، فلو قال علي لزيد عشرة دراهم و قال بعد ساعة إلا درهما أو استثني درهما و نحو ذلك لم يقبل و يعد من قبيل الإنكار بعد الإقرار بخلاف ما لو اتصل بكلامه الأول و حيث ان العقد كجملة واحدة مركب من إيجاب و قبول مرتبط أحدهما بالآخر أشد الربط معنى و حقيقة فيلزم اتصالهما صورة و لفظاً كالإنسان المركب من أعضاء مرتبط بعضها ببعض فلو انفصلت لم يعد إنسانا فان شخصية كل إنسان

ص: 162

متقومة بتأليفه الخاص و معيار الوصل اللازم و الفصل المضر في الكلام موكول الى نظر العرف و هو يختلف حسب الموارد فالوصل بين لفظ الجلالة و أكبر أشد منه في ما بين فصول الأذان بعضها مع بعض و الفصل بين آية و اخرى أوسع منه ما بين جملة و اخرى في نفس الآية و الفصل بين كلمة و اخرى في الجملة الواحدة أضيق منه بين نفس الجمل و هكذا في أبيات الشعر بين البيت و الآخر أوسع منه بين الشطر و الشطر و الجملة منه مع الأخرى.

و «الخلاصة» ان التوالي بين الإيجاب و القبول في عامة العقود و خصوص البيع من أهم الشروط و إذا حصل الفصل المخل بالوحدة الاتصالية بطل العقد و لم ينفع القبول المتأخر، و لا يكفي اتحاد المجلس و كما ان للأقوال وحدة اتصالية كذلك للأفعال المركبة عرفية كالكتابة و الصياغة أو شرعية كالوضوء و الصلاة و أمثالها من العبادات.

(مادة 184) لو رجع أحد المتبايعين عن البيع بعد الإيجاب و قبل القبول بطل الإيجاب

هذا أيضاً تكرار يغني عنه المادة قبلها كما تغنى عن مادة (185) تكرر الإيجاب قبل القبول يبطل الإيجاب الأول إلخ،،، فهذه المواد الأربع بل الخمس كلها قضية واحدة غنية عن البيان فضلا عن هذا التكرار الممل العاري عن كل فائدة فإن عدم تأثير الإيجاب وحده قبل القبول من لوازم اعتبار القبول و تركب العقد منهما.

فما الحاجة الى هذا التطويل.

ص: 163

(الفصل الرابع) في حق البيع بالشرط

الشروط و الخيارات و الإقالة و أمثالها انما هي من توابع العقد الصحيح التام الأركان فلا يحسن بيان شي ء منها قبل استيفاء مقومات العقد و أركانه كشرائط المتعاقدين العامة كالبلوغ و العقل و ان لا يكون محجراً عليه لفلس أو سفه أو شرائط الثمن و المثمن مثل مالين متقومين مملوكين و من الغريب ان (المجلة) ذكرت بعض هذه المسائل المهمة في الباب السابع بعد أبواب الخيارات و كان الواجب استيفاء ما يتعلق بالعقد و المتعاقدين و العوضين ثم الشروع في ما يتبع العقد من الشروط و الخيارات و مهما يكن فان الشروط تقييدية و تعليقية و التعليقية باطلة لأن التنجيز عندنا شرط في عامة العقود و التعليق ينافي التنجيز إلا إذا كان صوريا صرفاً كالتعليق على محقق الوقوع مثل ان كانت الشمس اليوم طالعة فقد بعتك فإنه يصح على الأصح و ان استشكله بعض، و اما التقييدية فهي الالتزامات في ضمن الالتزامات العقدية كما سبق توضيحها في صدر الكتاب و هي اما ان يقتضيها العقد أو يقتضي خلافها أولا يقتضيها و لا يقتضي عدمها، اما الأول فلا إشكال أنه يؤكد العقد و ليس لها أي اثر فان تخلف الشرط و ان اقتضى الخيار و لكن هذا في مثل المقام اثر العقد لا الشرط فلو شرط ان لا يدفع المبيع الا عند قبض الثمن فلا

ص: 164

حق للمشتري بالمطالبة به الا عند دفع الثمن و لو لم يدفع كان للبائع الخيار بعد الانتظار إلى ثلاثة أيام كما سيأتي، و من هذا النوع اشتراط ضمان الدرك و اما التي يقتضي العقد خلافها و هي الشروط التي تنافي مقتضى العقد فقد عرفت بطلانها بل و تكون مبطلة للعقد، اما القسم الثالث فهي الشروط التي تلزم في العقود اللازمة و هي أيضاً كما عرفت قسمان شرط الفعل و شرط النتيجة و لا إشكال في صحة شرط الفعل الا ما حرم حلالا أو أحل حراما أو خالف كتاب اللّٰه تعالى على ما سبق بيانه، و ما عدا ذلك من شروط الافعال فهو لازم نافذ سواء كان مؤكداً لمقتضى العقد كما أو اشترط الرهن على الثمن المؤجل أو الكفيل عليه أو خارجا عنه بالكلية كما لو اشترط خدمة أو كتابة و نحوها، اما شرط النتيجة فمثل اشتراط حرية العبد أو وقفية داره اي صيرورتها وقفا لا ان يوقفها أو يعتق عبده، فهذه الشروط كلها صحيحة على الأصح كما أشارت (المجلة) الى بعضها في مادة (186) و مادة (187)، ثم ان من شرط صحة الشروط و لزومها في العقود اللازمة ان يكون فيها فائدة أما للمتبايعين أو لأحدهما أو لثالث اما لو خلي عن الفائدة بالكلية كان لغواً و شرطاً سفيها و على ذلك بنوا مادة (188) البيع بشرط متعارف يعني الشرط المرعي في عرف البلدة صحيح و الشرط معتبر مثلا لو باع الفروة علي ان يخيط بها الظهارة أو القفل على ان يسمره بالباب أو الثوب على ان يرقعه.

فالفائدة في هذه الشروط للبائع و مادة (189) البيع بشرط ليس

ص: 165

فيه نفع لأحد العاقدين صحيح و الشرط لغو كبيع الحيوان على ان لا يبيعه أو على ان يرسله في المرعى صحيح و الشرط لغو، و قد يتعلق للبائع غرض بهذه الشروط فتخرج عن اللغوية و كان عليهم ان يذكروا القسمين الآخرين و هو ما فيه نفع لهما أو لخصوص المشتري و هي واضحة و كثيرة، و في باب الشروط مباحث جمة، و تحقيقات مهمة، لا مجال لبسطها في المقام و قد مرت الإشارة إلى بعضها و ربما يأتي التعرض في متفرق أبواب هذا الكتاب لبعض آخر إن شاء اللّٰه.

(الفصل الخامس) في إقالة البيع

اشارة

اقحام الإقالة التي هي فسخ العقد برضاهما في غضون مباحث شروط البيع و قبل ذكر شروط العوضين و المتبايعين غير سديد

(مادة: 190) للمتبايعين ان يتقايلا المبيع برضاهما بعد انعقاده

و قد وردت الاخبار المعتبرة في تأكد استحباب الإقالة ففي النبوي (من أقال نادماً في بيعه أقال اللّٰه عثرته يوم القيمة)، و قد اختلف فقهاء المذاهب في ان الإقالة عقد جديد أو فسخ العقد الأول فمنافع المبيع من

ص: 166

حين العقد الى حين الإقالة على الأول للمشتري و منافع الثمن للبائع و على الثاني تبني القضية على انه فسخ من حينه أو حل للعقد من أصله و على الأول فكالأول و على الثاني فبالعكس.

هذا بالنسبة إلى الزيادات المنفصلة، اما المتصلة فلا كلام في تبعيتها للعين

(مادة: 191) الإقالة كالبيع تكون بالإيجاب و القبول

و لكن يكفي فيهما كل ما دل عليهما- مثلا لو قال أحدهما: أقلت البيع أو فسخته و قال الآخر: قبلت- صحت الإقالة و ينفسخ البيع، و كذا لو قال: أقلني فقال: فعلت أو رد عليه الثمن و أخذ المبيع برضا الثاني فهي إقالة فعلية نظير المعاطاة أو فرد منها كما في مادة (192) الإقالة بالتعاطي القائم مقام الإيجاب و القبول صحيحة.

(مادة: 193) يلزم اتحاد المجلس في الإقالة

- كالبيع فلو قال أحدهما:

أقلت البيع و قبل ان يقبل الآخر انفض المجلس أو صدر من أحدهما ما يدل على الاعراض قولا أو فعلا ثم قبل الآخر لا يعتبر قبوله.

قد عرفت ان اتحاد المجلس لا يكفي في البيع بل لا بدّ من التوالي الحافظ للهيئة الاتصالية، و الوحدة العرفية، و كذلك لا يكفي في الإقالة بل لا بدّ من الاتصال على منهاج ما سبق في البيع.

(مادة 194) يلزم ان يكون المبيع قائماً و موجوداً في يد المشتري وقت الإقالة فلو كان المبيع قد تلف لا تصح الإقالة.

اما بناء على كونها عقداً جديداً فاعتبار قيام العين واضح، و اما بناء على كونها فسخاً فالفسخ و ان كان ممكناً على ان يكون أثره رد العين

ص: 167

ان كانت موجودة ورد المثل أو القيمة لو كانت تالفة و لكن لما كانت الحكمة من الإقالة استدراك النادم و الفسحة له فهي انما تقتضي استرداد عينه فلو كانت تالفة فلا موضوع للإقالة مضافاً الى ظهور اخبارها بذلك و في حكم التلف نقلها بعقد لازم كبيع أو هبة أو وقف أو نحو ذلك، نعم لو كان التالف البعض صحت الإقالة في الباقي كما في مادة (195) و كذلك يعتبر قيام الثمن ان كان شخصياً لعين ما ذكرناه في المثمن، لكن لا يقدح كون الثمن كلياً كما هو الغالب في صحة الإقالة إذ لا يلزم ان يرد عليه نفس ذلك المصداق بل يكفي رد مصداق آخر يساويه و المهم من الإقالة هو استرداد العين المبيعة اي إقالة البائع لا المشتري كما أشير إليه في مادة (196).

أما الخيارات فان كانت الإقالة عقداً جديداً جرت فيها و ان كانت فسخاً و حلا للعقد الأول فلا معنى لجريانها فليتدبر.

ص: 168

(الباب الثاني) في المسائل المتعلقة بالبيع،

اشارة

و ينقسم إلى أربعة فصول

(الفصل الأول) في حق شروط المبيع و أوصافه

اشارة

حق هذا الباب ان يعنون بالمسائل المتعلقة بشرائط العوضين و ما يدخل في المبيع و احكامه و يدرج الباب الثالث فيه بزيادة فصل في الثمن.

(مادة 197) يلزم ان يكون المبيع موجوداً.

هذا ليس بشرط على الإطلاق كيف و قد عرفت ان المبيع تارة يكون شخصياً و هو لا يكون الا موجوداً و تارة يكون كلياً يضبط بالوصف و لا يكون الا معدوما، نعم لو أراد بيع الشخص الذي سيوجد مثل ان يبيعه ما ستحمله هذه الدابة أو الثمرة التي ستحملها هذه الشجرة فالبيع هنا بمقتضى القاعدة باطل و لكن لا لكونه غير موجود بل لجهالته الموجبة للغرر و الكلي يمكن ضبطه بالوصف بخلاف الجزئي و لذا صح بيع السلم و هو بيع ما ليس بموجود فعلا، فليتدبر.

لكن يمكن بيعه بالتبع كما يمكن الوقف عليه بالتبع نظير الوقف على البطون الموجودة و ما بعدها و بيع الفرس و اشتراط ما تحمله الأخرى،

ص: 169

(مادة 198) يلزم ان يكون المبيع مقدور التسليم

هذا مما لا اشكال فيه و هو موضع اتفاق في الجملة و بدونه يكون البيع غرراً فلا يجوز بيع الطير في الهواء و ان كان مملوكا إذا كان وحشيا لا يعود، و استدلوا عليه بحديث نهي النبي (ص) عن الغرر و بحديث (لا تبع ما ليس عندك) بتقريب انه ليس المراد لا تبع غير ملكك و الا لقال:

لا تبع ما ليس لك، فالتعبير بهذا الأسلوب ظاهر في ان المراد: لا تبع ما ليس لك عليه السلطنة التامة فإن الذي عندك و تحت يدك هو الذي تكون لك عليه السلطنة التامة الفعلية، و كيف كان فلا كلام في اعتبار القدرة على التسليم في الجملة. إنما الكلام في أمرين-:

الأول-: هل المعتبر القدرة على التسليم وقت البيع أو تكفي القدرة بعده، و مقتضى صحة بيع السلم و نحوه كفاية القدرة عند لزوم الدفع و التسليم لا عند إجراء الصيغة، و لكنهم مع ذلك يستشكلون في صحة بيع الآبق بغير ضميمة و بيع الثمرة قبل بروزها عاماً واحدا أو مطلقاً و يمكن الفرق بما مرت الإشارة إليه من الكلي و الشخصي فيصح في الأول دون الثاني.

الثاني-: هل يكفي قدرة المشتري على التسليم و ان كان البائع لا يقدر على التسليم فيبيع العبد الآبق لمن يقدر على قبضه و الدابة الشاردة لمن يقدر على إمساكها، فنقول: مقتضى الاعتبار بل القواعد الصحة فإن مدرك المنع هو الجهالة و الغرر و هما منتفيان في الفرض المزبور، نعم لو كان مدرك اعتبار هذا الشرط هو الإجماع و حديث (لا تبع ما ليس عندك)

ص: 170

كان الوجه عدم الصحة و مع الشك فالمرجع أصالة عدم الشرطية المستفادة من إطلاقات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و أمثالها و هذا هو الأوجه عندي و ان مال الى المنع بعض أعاظم المتأخرين منا.

(مادة 199) يلزم ان يكون المبيع مالا متقوما.

اما المال فقد عرفت حقيقته منا غير مرة و ان المالية اعتبارات عقلائية تنشأ من عموم الحاجة الى الشي ء و قوة الفائدة و المنفعة فإن أقرهم الشارع و لو بعدم الردع فهو مال شرعي أيضاً و الا فهو غير مال شرعاً و ان كان مالا عرف، و المعتبر في صحة البيع كون المبيع مالا شرعيا و لا يكفي ماليته عرفاً و لذا لا يصح بيع الخمر و الخنزير و الأصنام و الميتة بل و سائر النجسات و الأعيان المحرمة كآلات اللهو و القمار و نحوها، و عدم المالية إما لنفاسة الشي ء كالإنسان الحر و المعابد و نحوها و اما لخساسته كالقاذورات و الحشرات و أمثالها فكل هؤلاء لا يصح بيع شي ء منها لعدم ماليتها شرعاً و عرفاً أو شرعاً فقط.

(مادة 200) يلزم ان يكون المبيع معلوماً عند المشتري

لعلك عرفت من غضون ما مر عليك من المباحث في هذا التحرير ان من أهم شروط البيع عدم جهالة المبيع و بالأخرى معلومية العوضين علماً يرفع الجهالة و الغرر، و بما ان الغرر و الجهالة تبطل البيع فاللازم معلومية كل من العوضين عند كل من المتبايعين لا يختص ذلك بالمشتري و لا البائع فلو كان المبيع عند البائع مجهولا فهو أحرى بالبطلان و الغرر المنفي في الحديث النبوي مطلق فتخصيص المعلومية بالمشتري لا وجه له، و لا

ص: 171

فرق في ذلك بين كون المبيع محتاجاً للتسلم و التسليم أم لا، ثم ان المعلومية اللازمة في العوضين تعتبر في خمس جهات.

1-: الوجود. فالذي لم يحرز وجوده لا يكون ثمناً و لا مثمناً.

كالحمل في بطن الناقة و اللبن في الضرع.

2-: الحصول. فما علم وجوده و لم يعلم حصوله في اليد كالعبد الآبق و المال الغريق في البحر و ما أخذه الظالم قهراً الى كثير من أمثالها لا يقع البيع عليه.

3-: جنسه. فما لا يعلم جنسه كزبرة من المعدن لا يعلم انها حديد أم ذهب فإنها و ان كانت معلومة الوجود و الحصول و لكنها مجهولة الجنس فلا يصح المعاوضة عليها.

4-: وصفه فما كان مجهول الصفات كحنطة مجهولة الأوصاف و انها من الأعلى أو الأدنى أو الوسط لا ينعقد عليها البيع.

5-: القدر كقطعة من ذهب أو صبرة من الحنطة لا يعلم وزنها فان بيعها باطل.

أما السلامة من العيوب فليست شرطاً إذ يصح بيع المجهول من هذه الجهة اعتماداً على أصالة السلامة في الأشياء فتكون كشرط ضمني و إذا ظهر انه معيب كان مخيراً بين الفسخ و بين الإمضاء بالأرش أو بدونه و من الغريب ما وجدته هنا في بعض شروح (المجلة) ما نصه:

«اما إذا كان المبيع غير محتاج للتسلم و التسليم كمن قال لبائعه بعني المال الذي أودعته عندي فباعه إياه صح البيع و لو كان مقدار المبيع غير

ص: 172

معلوم عند الطرفين» انتهى و هو كما ترى. و قد أشارت الى بعض ما ذكرناه ..

(مادة 201) يصير المبيع معلوما ببيان أحواله و صفاته التي تميزه عن غيره

مثلا لو باعه كذا مداً من الحنطة الحورانية أو باعه أرضا مع بيان حدودها صار معلوما و صح البيع.

معلومية المبيع من سائر الجهات المعتبرة تختلف أسبابها باختلاف الأجناس و الأنواع المبيعة فالجنس و الوصف و المقدار مثلا يعرف إذا كان المبيع كليا بالذكر و الاتفاق بين المتبايعين فيقول: أبيعك طنا من الحنطة الفلانية ثم يذكر من أوصافها ماله مدخلية في اختلاف الرغبات و الأسعار و ان كان شخصيا فيعرف الأولان بالمشاهدة و الاختبار، و اما المقدار فبالكيل و الوزن و العدد و الذراع كما سيأتي و لو كان المبيع الشخصي في عرف عام أو خاص يكتفى بمشاهدته عن اعتباره و تعيين مقداره كما في حزمة الحطب و الخضراوات و قرب الماء و اسقية الألبان و كثير من أمثالها صح بيعه بالإشارة إلى عينه كما سبق و عليه تحمل-:

(مادة 202) إذا كان المبيع حاضراً في مجلس البيع تكفي الإشارة إلى عينه.

و هذا مختص بما يباع بالمشاهدة لا مطلق المبيعات فان المكيل و الموزون لا يصح بيعه لو كان حاضراً بالإشارة إليه، نعم في أمثال ما ذكرناه و في أنواع الحيوان تكفي الإشارة كما أومأت اليه (المجلة)

ص: 173

مثلا لو قال البائع للمشتري (بعتك هذا الحيوان) و المشتري يراه فقال (اشتريته) صح، نعم لو كان المكيل أو الموزون أو المعدود معلوماً عندهما فلا حاجة لوصفه أو اختباره كما ذكر في مادة (203) و من هذا القبيل الدور بل مطلق العقارات و البساتين و لا فسخ له الا إذا ظهر تغيره عما كان يعلم.

(مادة: 204) المبيع يتعين بتعيينه في العقد

- مثلا لو قال البائع:

بعتك هذه السلعة و أشار الى سلعة موجودة في المجلس و قبل المشتري لزمه تسليم تلك بعينها و ليس له ان يعطي غيرها من جنسها.

هذه خاصة البيع الشخصي فإن المبيع يتعين فيه بالعقد فلا يجوز دفع غيره حتى لو تراضيا معاً فإنها معاملة أخرى و تكون مقايضة (اي بيع سلعة بأخرى)، أما الكلي فلا يتعين بالتعيين فلو باعه وزنة حنطة ثم عينها في وزنة خارجية لم تتعين و كان له ان يدفع غيرها و لا حق للمشتري بإلزامه بدفها، نعم يتعين الكلي بالقبض فإذا قبضها المشتري لم يكن للبائع تبديلها فاغتنم هذا.

(عنوان و بيان)

ان نظم كتاب البيع عند فقهائنا في مؤلفاتهم انهم يشرعون أولا في المكاسب المحرمة كالاكتساب بالقمار و التصاوير و الأصنام و الخمر و أمثال ذلك، ثم يبدءون بكتاب البيع و تعاريفه و حقيقته و أصالة

ص: 174

اللزوم فيه و يدخلون في شرائط العقد و تقومه من الإيجاب و القبول و شروطهما و البيع الخالي منهما كبيع المعاطاة و البيع الفاسد ثم شروط العوضين، و بعد ذلك شروط المتعاقدين ثم بيع الفضولي و بعد استيفاء العقد و أركانه و اجزائه يذكرون أنواع البيع و اقسامه باعتبار المبيع و يبدءون منها ببيع الحيوان من إنسان و غيره و له احكام و شئون تخصه دون سائر المبيعات و هو كتاب مستقل، ثم بيع الثمار و لها كذلك مباحث و تحقيقات تختص بهما و لا تجري في غيرها، ثم بيع الصرف و هو بيع النقدين و أحكامه الخاصة به، ثم بيع الربا و هو بيع المكيل و الموزون مع التفاضل، ثم بيع السلم و هو بيع الكلي المؤجل، ثم بيع النسيئة بعكسه و في كل واحد منها تحقيقات أنيقة، و مباحث دقيقة، ثم يعقبون ذلك بكل واحد من أنواع الخيارات، ثم احكام القبض، ثم الخاتمة في الإقالة، و أصحاب (المجلة) و ان رتبوها أبواباً و فصولا و لكنهم لم يحسنوا التبويب و الترتيب و لم ينهجوا النهج الطبيعي الملائم للطبع و الذوق و ما يوافق الاعتبار و حسن الاختيار، و ادخلوا بعض الأنواع في بعض مع شدة الاختلاف في الاحكام، و قد رأيت كيف اقحموا الإقالة في أثناء شروط العقد و المتعاقدين الى كثير من هذا النظير، و انظر هنا كيف اردفوا الفصل الأول الذي هو في حق شروط المبيع و أوصافه بالفصل الثاني الذي أهم ما فيه بعض احكام بيع الثمار مع تباعد التناسب بين الفصلين و كان اللازم عقد فصل خاص لبيع الثمار بل عقد فصول لكل نوع يستقل بأحكام خاصة، و قد خلطوا في هذا الفصل

ص: 175

خلطاً متنافراً، و جمعوا بين احكام غير متلائمة لا تندرج في عنوان واحد فهي أضغاث من فصائل شتى، و أنواع متباينة، فبينا يذكرون بعض احكام بيع الثمرة و لما يستوفوها و إذا بهم يقفزون الى بيع غير مقدور التسليم و بيع غير المتقوم و أمثالهما مما سبق ذكره قريباً و هو مضافا الى أنه تكرار لا فائدة فيه لا يتناسب مع ما ذكر في أول الفصل من احكام بيع الثمار و هكذا كل ما في هذا الفصل من المواد لا يرتبط بعضها ببعض الا كارتباط الحصى بالياقوت باعتبار ان الجميع أحجار والا فأي مناسبة بين بيع الحصة المشاعة مادة (214) و بين بطلان البيع بما لا يعد مالا.

مادة (210) و بين صحة بيع الثمرة البارزة مادة (206) حتى يحشر الجميع في صعيد واحد، و فصل منفرد، و العنوان المذكور و هو ما يجوز بيعه و ما لا يجوز واسع لا يحصى فما الوجه لذكر وحدات من مئات.

و الغرض من كل هذا بيان ان الحق ان هذا الكتاب اعني (المجلة) فيه علم و فقاهة و لكنه مبعثر و غير محرر فهو أحوج ما يكون الى التحرير و التهذيب، اما التكرار فيه و الإعادة (فحدث و لا حرج).

و لنرجع الى نسق ما ذكروه على علاته.

ص: 176

(الفصل الثاني) فيما يجوز بيعه و مالا يجوز

(مادة 206) الثمرة التي برزت جميعها يصح بيعها و هي على شجرها، سواء كانت صالحة للأكل أم لا.

الثمرة من النخيل أو الأشجار لها ثلاث حالات- قبل ظهورها و بعد ظهورها قبل بدو صلاحها، و بعد ظهورها و بدو صلاحها، و لا اشكال و لا ريب في صحة البيع في حال ظهورها و بدو صلاحها، سواء اشترط قطعها فوراً أو بقاءها الى وقت جذاذها، و هذا هو الذي إرادته (المجلة) بهذه المادة و هو الفرد الواضح و كان اللازم التعرض للحالين الآخرين فقد ذكروا الواضح السهل و أهملوا المهم المشكل و هو بيعها قبل بدو صلاحها و بعد ظهورها، و المشهور الصحة بشرط القطع أو الإبقاء الى نضجها، و أشكل منه و هو محل الخلاف بيعها قبل ظهورها أصلا و قد تضاربت الأقوال فيه و تكثرت و بالنظر الى العام الواحد أو أكثر و مع الضميمة و عدمها تكون أمهات الأقوال ثلاثة أو أربعة.

1-: الصحة مطلقاً.

2-: العدم مطلقاً.

3-: الصحة في عامين فصاعدا، و البطلان في عام واحد.

4-: الصحة مع الضميمة مطلقاً في عام أو أكثر.

ص: 177

و هذا هو الأصح حسب القواعد لأن الأصل الاولي بطلان بيع المعدوم بل اعتبار الوجود من أول شرائط المبيع و يلزم الاقتصار في الخروج عن هذا الأصل على المتيقن و هو الصحة مع الضميمة مطلقاً و يشهد له بعض الاخبار و يؤيده ما ورد من صحة بيع الآبق مع الضميمة و أشباهه من مجهول الحصول أو الموجود و لا يبعد أيضاً صحة بيعها عامين فصاعداً و لو بدون ضميمة، كما ورد في بعض الاخبار المستفيضة و المحصل من مجموعها المنع بالفحوى من بيعها قبل الظهور عاماً واحداً، اما قبل بدو الصلاح بعد الظهور ففيها ما هو صريح بالمنع كصراحة بعضها في جواز بيعها عامين أو أكثر مطلقاً حتى مع عدم الضميمة، و قد علل الجواز في كثير منها بأنه ان لم يحمل بهذا العام حمل من قابل و هو مشعر بجوازه في العام الواحد مع الضميمة، و «تلخص» ان الأصح الجواز في عامين فصاعدا و في العام الواحد مع الضميمة أو بعد بدو الصلاح و ما عدا هذين فالأقرب المنع مطلقاً، هذا في النخيل و الأشجار، اما الخضراوات و الزرع مطلقاً سواء كان المقصود حبة كالحنطة و الشعير و الرز و الماش أو نفسه كالقصيل و ورق الحناء و أمثاله فإن كان المقصود بيع الغلة قبل ظهورها و صيرورتها سنبلا بل حنطة و شعير فهو باطل قطعاً لانه بيع معدوم، و ان كان البيع وقع على نفس الزرع و اشترط بقائه إلى أوان حصاده أو قطعه قصيلا فعلا فهو صحيح نافذ كما يصح بيع الخضراوات من الرياحين جزة و جزتين و البقل لقطة و لقطتين و الأزهار و نحوها قطفة و قطفتين و ترتفع الجهالة في كل هذه

ص: 178

الأنواع بالمشاهدة فإن أهلها و هم أهل الخبرة بمشاهدتها يعرفون مقدار عائدها و ما يرتفع منها من المنفعة و يزول الغرر و الخطر بذلك، نعم لو باعها من غير مشاهدة كان باطلا، و مما ذكرنا ظهر جواز بيع الموجود منها و ضم ما سيوجد إلى أمد معين كاسبوع أو شهر فيشتري الجميع بثمن معين كما عرفت سابقاً من ان المعدوم يجوز بيعه تبعا للموجود على قاعدة أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل و أمثالها من القواعد المتقدمة و اليه الإشارة بمادة (207) ما تتلاحق افراده يعني ان ما لا يبرز دفعة واحدة بل شيئا بعد شي ء كالفواكه و الأزهار و الورق و الخضراوات إذا كان قد برز بعضها يصح بيع ما سيبرز مع البارز تبعا له بصفقة واحدة و كان ينبغي تقييد ذلك بالمشاهدة الرافعة للغرر في أمثال هذه الأنواع

(مادة 208) إذا باع شيئا و بين جنسه فظهر المبيع من غير ذلك الجنس بطل البيع، فلو باع زجاجا على انه الماس بطل.

للظاهر ان المقصود البيع الشخصي يعني أشار الى الزجاج و قال بعتك هذا الألماس ثم ظهر أنه زجاج و قد سبق في مادة (65) الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر ان الاختلاف في الوصف لا يقدح فلو أشار الى الأشهب و قال بعتك هذا الأدهم صح بيع الأشهب، اما في الغائب فيقدح لأن المدار في الحاضر على المشاهدة بخلاف الغائب فإن المدار فيه على الوصف إذ لا مشاهدة حتى يعول عليها، هذا في اختلاف الوصف اما مع اختلاف الجنس كما في مثال الزجاج فيظهر من (المجلة) هناك البطلان و لا يتضح وجه الفرق بين المقامين فان المدار ان كان على

ص: 179

المشاهدة و ان المقدم عند تعارض الوصف و الإشارة هو الإشارة فلازمه اطراد ذلك حتى مع اختلاف الجنس فلو أشار الى الزجاج و قال:

بعتك هذا الألماس، فاللازم التعويل على الإشارة و يبطل الجنس كما يبطل وصف الأشهب بالادهم، هذا إذا كان التعبير بنحو الإشارة، أما إذا كان على نحو الشرطية كما في هذه المادة حيث باعه الزجاج على انه الماس فالحق و ان كان كما ذكر فيها من البطلان و لكن لا فرق أيضا في قضية الشرطية بين اختلاف الجنس أو الوصف حتى في الحاضر فلو قال:

بعتك هذا الفرس على انه أشهب و هو أدهم فالحكم بالصحة محل نظر بل منع لان البيع وقع على المقيد و هو عدم عند عدم قيده فالموجود لم يقع العقد عليه و ما وقع العقد عليه غير موجود فكيف نحكم بالصحة.

و التحقيق ان تخلف الوصف يوجب الخيار بخلاف تخلف الحقيقة فإنه باطل و «بالجملة» فباب الإشارة الجنس و الوصف فيها سواء في الصحة، و باب التقييد و الشرطية سواء في البطلان أو الخيار.

و قد تقدم ما عندنا من التحقيق الذي ربما ينفع هنا فراجع.

(مادة: 209) بيع ما هو غير مقدور التسليم باطل كبيع سفينة غرقت إلخ ..

تقدم هذا البيان بعينه في مادة (198) من غير جهة افادة في الإعادة كما ان مادة (210) بيع مالا يعد مالا و الشراء به باطل تقدمت بعينها في مادة (199) و هي تغني عن مادتي (211 و 212) بيع غير المتقوم باطل و الشراء به باطل.

ص: 180

و «بالجملة» فقد ذكروا في هذا الفصل اربع مواد كلها مستدركة و لا فائدة بإعادتها، كما ان مادة (200) السابقة تغني عن مادة (213) بيع المجهول فاسد إلخ ..

(مادة 214) بيع حصة شايعة معلومة كالنصف و الثلث و العشر من عقار معين مملوك قبل الافراز صحيح.

لا اشكال و لا شبهة في صحة بيع الكسر المشاع و لكن اختصاص ذلك بالعقار لا يعلم وجهه بل يطرد في العقار و غيره و في المنقول و غيره كما ان قيد المملوك ان أريد به إخراج حصة مشاعة من غير المملوك كالوقف و نحوه فهو مما لا يقبل البيع مطلقاً لا بعضه المشاع و لا كله و الا فهو مستدرك إذ غير المملوك لا يصح بيعه و مثله قيد «قبل الإفراز» إذ الحصة الشائعة لا تكون الا قبل الإفراز اما بعد الافراز فلا إشاعة، و اخرج بالمعلومة الحصة المجهولة و هو واضح وضوح-:

(مادة 215) يصح بيع الحصة الشائعة بدون اذن الشريك

لأن الشركة لا تقتضي سلب مطلق السلطنة بل تسلب السلطنة المطلقة فمثل هذه التصرفات لا تتوقف على اذن الشريك، نعم تصرف كل واحد من الشريكين بالانتفاع بالعين موقوف على اذن الآخر، اما البيع و نحوه مما يقع على نفس حصة الشريك لا على عين المال المشترك فلا يتوقف على الاذن و لكن إشفاقاً على الشريك من ضرر مشاركة الأجنبي الذي ربما لا يلائمه جبره الشارع بحق الشفعة فحفظ بذلك حرية المالك مع مراعاة جانب الشريك ان لا يبتلى بغير الملائم، و قيد الشائعة لعله

ص: 181

احتراز عن بيع الحصة المعينة في المشاع فإنها لا تنفذ إلا بإذن الشريك أو إجازته و الا فهو فضولي بالنسبة إلى حصة شريكه.

(مادة 216) يصح بيع حق المرور و حق الشرب و حق المسيل تبعاً للأرض.

هذه الحقوق لها ثلاثة أحوال، فإن حق المرور مثلا اما ان يكون في أرضه المملوكة له فله ان يبيعه تبعاً للأرض فإنه بعض منافعها و له ان يبيعه مستقلا فيبيع هذه المنفعة الخاصة ان جوزنا بيع المنافع، و اما ان يكون في أرض الغير فله بيعه مستقلا لانه حق مالي و كل حق مالي يصح بيعه كما يصح إسقاطه، و اما ان يكون في أرض غير مملوكة كالطرق و الشوارع- عامة أو مرفوعة- فلا بيع و لا معاملة عليها مطلقاً بل هي بالحكم أشبه منها بالحق فلا تقبل النقل و الانتقال، كما لا تقبل الاسقاط بحال من الأحوال و «بالجملة» فإن الإنسان في الشوارع و أمثالها من المحلات العامة لا يملك المنفعة و انما يملك الانتفاع كما ان الناس في الماء و النار و الهواء شرع سواء، نعم في الطرق المرفوعة يمكن لأحد الشركاء مصالحة حقه لشريكه أو اتفاقهم جميعاً على مصالحته و نقله لأجنبي على اشكال أيضا، و تحقيق هذا موكول الى محله.

ص: 182

(الفصل الثالث) في بيان المسائل المتعلقة بكيفية بيع المبيع

اشارة

يظهر ان هذا الفصل يقصد به بيان المقادير و المقاييس التي تعرف بها الأعيان التي يتداولها الناس بالبيع و الشراء، و قد أعلمناك ان المقصود عند العرف من معرفة الأجسام اما كمها المتصل أو الكم المنفصل. و المقصود من الأول اما معرفة ثقل الجسم أو مساحته.

و الأول يعرف بالكيل و الوزن و هو الأصل و الكيل طريق اليه، و الثاني يعرف بالذرع، و الثالث بالعدد، و الذرع يرجع اليه فأصول المقاييس- وزن و عدد.

(مادة 217) كما يصح بيع المكيلات و الموزونات و العدديات و المذروعات كيلا و وزناً. و عدداً و ذرعا يصح بيعها جزافاً أيضاً،

مثلا لو باع صبرة حنطة أو كوم تين أو آجر أو حمل قماش جزافا صح البيع.

اتفق فقهاء الإمامية و استفاضت اخبارهم بان الأطعمة و خصوص الحنطة و الشعير بل كل مكيل و موزون عند العرف أو في زمان الشارع لا يصح بيعه الا بكيله و وزنه و ان بيعه جزافا باطل حتى مع المشاهدة، و من الغريب بل و من الجازف حكم (المجلة) بصحة بيع المكيلات و أخواتها جزافا، و هل يشك أحد ان بيع صبرة الحنطة التي لا يعرف المتبايعان وزنها أ طن أو اثنان؟ غرر و بيع الغرر بإجماع المسلمين للحديث المشهور

ص: 183

باطل.

و «بالجملة» فبيع الجزاف باطل مطلقاً و لا يصح شي ء منه لأن المعلومية شرط و الجهالة مفسدة، كما تقدم في مادة (200) و (213)، غايته ان بعض ما يباع ترتفع جهالته بمشاهدته فلا جزاف ثمة و لا غرر فبيع الحطب و كوم التين و الآجر و حمل القماش أو الفاكهة بالمشاهدة لا يعد من الجزاف أصلا و لو كان لكان باطلا قطعا، و طبيعة البيع لا تحتمل الغرر و الجهالة أصلا بل هما متضادان أبداً. نعم يحتمل الصلح و ذلك لانه مشروع لقطع الخصومة و التسالم و الرضا بالواقع كيف كان بخلاف البيع و الإجارة فإنهما من عقود التغابن و الفائدة فلا يصح منها ما يكون مظنة الخطر و الخسارة و تجويز البيع الجزافي ناشئ من عدم النباهة و ضعف الفقاهة و قصور الباع في أحكام الشريعة الإسلامية و لذا لم ينقل القول به عن أحد من فقهاء الإمامية مع كثرة اختلافاتهم في الفروع الفقهية.

و أغرب من ذلك-:

(مادة 218) لو باع حنطة على ان يكيلها بكيل معلوم أو يزنها بحجر معين صح البيع و ان لم يعلم مقدار الكيل و ثقل الحجر.

و لعمري لقد سقطوا بالبيع من مكان حالق و هووا به إلى بئر سحيق و هذه هي الفوضى بعينها، و سحق المدينة بأجمعها، و دعوى ان المشار اليه قد علم به من طريق الحس و هو أقوى طرق العلم واضحة الوهن و السقوط فان الحس و المشاهدة لم ترفع الجهالة بمقداره، و لم تفد معرفته بوزنه و عياره، و على ما ذكروه فيكون من العبث وضع الموازين

ص: 184

و المكاييل و أمثالها و ضاعت هذه الحكمة القويمة، و الفلسفة العالية، التي توخاها عقلاء البشر من تلك المقررات في أوائل التمدن الصحيح في الهيئة الاجتماعية فتدبره جيداً و لا يذهب بك الاسفاف الى هذه المداحض فان كل هذه الفروض من افراد بيع الغرر الذي هو من أوضح أنواع البيع الفاسد.

و اعلم ان الغرر المنهي عنه الموجب لفساد البيع هو النوعي لا الشخصي فلو فرضنا ان المشتري أو هو و البائع كان قوي الحدس بحيث لو نظر الى الصبرة يعرف مقدارها أو يعرف مقدار ما يكفيه نفقة لمدة من الأيام فلا يلحقه اي غرر من شرائها لم ينفع ذلك لأن المبطل هو الغرر المتحقق في نوع هذا البيع فيبطل كل افراده حتى الخالي من الغرر و لا يصح الا المعلوم مقداره من الطرق المتعارفة و هي الكيل و الوزن و العدد و رديفاتها

(مادة 219) كلما جاز بيعه منفرداً جاز استثناؤه من المبيع مثلا لو باع ثمرة شجرة و استثنى منها كذا رطلا على انه له، صح البيع.

هذه المسألة من توابع بيع الثمار و هي قضية (الثنيا) و (إيجازها) ان بائع الثمرة يجوز له ان يستثنى له منها كسراً مشاعاً ثلثاً أو ربعاً كما يجوز استثناء أرطال معلومة أربعا أو خمساً مع العلم بأن الثمرة تشتمل على أكثر من ذلك و له ان يستثني نخلات أو شجرات معينة و كل هذا يجوز بيعه منفرداً فيجوز استثناؤه لأنه معلوم من معلوم، اما لو استثنى نخلات غير معينة أو أرطالا مجهولة العدد أو كسراً مشاعا مردداً بين الكسور فهو باطل لانه لا يجوز بيعه لجهالته فلا يجوز استثناؤه، و هذا انما يتم

ص: 185

على رأى من يعتبر في المبيع عدم الجهالة.

أما «المجلة» التي جوزت بيع الجزاف فلا مورد عندها لهذه المادة لأن الجميع يجوز بيعه فيصح استثناؤه، ثم ان فقهائنا فرعوا على قضية (الثنيا) انه لو خاست الثمرة أو تلفت فان استوعب التلف فلا ريب انه على البائع و المشتري و ان تلف البعض ففي الكسر المشاع يسقط منه بحسابه و في النخلات المعينات إن أصابها التلف فقط فعلى البائع خاصة و الا فلا ينقص منها شي ء لتميز المالين و حينئذ فتلف (الثنيا) لا يلحق المبيع و تلف المبيع لا يلحق (الثنيا). و اما الأرطال المعلومة فان نزلناها على الإشاعة توزع النقص على الجميع بالنسبة و ان نزلناها على الكلي في المعين اختص النقص في المبيع و لا يلحق (الثنيا) منه شي ء و هذا هو مظهر الفرق بين المشاع و الكلي في المعين، فتدبره.

(مادة: 220) بيع المقدرات صفقة واحدة مع بيان ثمن كل فرد و قسم منها صحيح،

مثلا- لو باع صبرة حنطة أو وسق سفينة من حطب أو قطيع غنم أو قطعة من جوخ على ان كل كيل من الحنطة أو قنطار من الحطب أو رأس من الغنم أو ذراع من الجوخ بكذا صح البيع.

إذا كانت الجملة من المقدرات معلومة المقدار كيلا أو وزناً أو عدداً و هي متساوية الأجزاء كصبرة معلوم ان وزنها طغار أو قطعة جوخ معلوم ان طولها خمسون ذراعاً فباع الحنطة بأجمعها على ان كل وزنة بدينار و الجوخ كل ذراع بربع دينار صح إذ لا جهالة أصلا، اما لو كانت الصبرة مجهولة المقدار و القطعة مجهولة الذراع أو كانت معلومة و لكنها

ص: 186

غير متساوية الأبعاض لم يصح البيع كل ذراع بكذا عند فقهائنا للجهالة اي جهالة مقدار ما اشترى، و قد ذكر في كتاب الإجارة انه لو آجره سنة كل شهر بدرهم بطل، و يظهر من (المجلة) الصحة مطلقاً و ليس هو بأسوإ من صحة بيع الجزاف عندهم و بعد البيع لا يجدي الانكشاف، فليتدبر.

و ينسب إلى الحنفية صحة البيع في فرد واحد و هو تحكم، و لا يختلف الحكم عندنا بين الجنس الواحد أو الأجناس المختلفة كصبرتين حنطة و شعير، و قد عرفت ان ملاك الصحة في الجميع هو رفع الجهالة و المعلومية حال البيع بان يعلم ما ذا باع و بكم باع و المشتري كذلك و لا يبقى بينهما مجال للنزاع أو الخصومة، فاعرفه جيداً.

و من هنا تعلم مادة (221) كما يصح بيع العقار بالذراع و الجريب يصح بتعيين حدودها أيضاً، كل ذلك لما عرفت من ان ملاك الصحة ارتفاع الجهالة و هو واضح كوضوح مادة (222) انما يعتبر القدر الذي يقع عليه العقد لا غيره، و مما تقدم أيضاً يتضح ما ذكروه في مادة (223) المكيلات و العدديات المتقاربة التي ليس في تبعيضها ضرر إذا بيع جملة منها مع بيان قدرها، صح البيع سواء سمى ثمنها فقط أو فصل لكل كيل أو فرد أو رطل منها ثمناً على حدة فإذا وجد تاما عند التسليم لزم البيع و إذا ظهر ناقصا كان المشتري مخيراً ان شاء فسخ و ان شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن و هو خيار تبعيض الصفقة، أما الزيادة فهي للبائع قطعاً و المثال واضح فلا حاجة الى التطويل

ص: 187

(مادة 224) لو باع مجموعاً من الموزونات التي في تبعيضها ضرر و بين قدره و ذكر ثمن مجموعه و حين وزنه و تسليمه ظهر ناقصا عن القدر

فالمشتري مخير ان شاء فسخ و ان شاء أخذ الموجود بجميع الثمن المسمى لأن النقص بمنزلة العيب و لا حصة للوصف من الثمن فليس للمشتري تنقيص الثمن كما هو الحكم بخيار العيب.

هذا الحكم أيضاً واضح فان النقص إذا كان بمنزلة العيب فهو مخير بين الفسخ و الإمضاء مع المطالبة بالأرش أو الإمضاء بغير أرش. فإن الأوصاف و ان كانت لا تقابل بالاعواض كما سبق في صدر الكتاب و لكن النقص ليس فقد وصف بل فقد جزء و لا ريب ان الثمن يقسط على الاجزاء و الأبعاض و ان لم يقسط على الأوصاف فالزيادة و النقيصة لها شأن و ملاحظة و لا تذهب على البائع و لا المشتري.

و «تحرير الفرع» ان المتبايعين إذا اتفقا على المعاملة على جملة مجموعة سواء كان في تبعيضها ضرر أم لا كقطعة لحم أو فص جوهر و عينا وزنه و قيمته على الجملة فإن لوحظ الوزن الذي ذكراه من باب التقييد ثم انكشف زيادته أو نقصه فاللازم الحكم حينئذ اما بالبطلان أو الخيار على اختلاف الاعتبارين من انه من قبيل المتباينين أو من قبيل تخلف الشرط و ان لوحظ على نحو الداعي اي ان المقصود بيع هذه الجملة بالثمن المعين كيف ما كان و انما ذكرا الوزن المخصوص لا على جهة التقييد بل على نحو الصفة التوضيحية لا الاحترازية و يكون من باب الخطأ في التطبيق فالبيع صحيح حتى مع انكشاف النقيصة أو الزيادة و لا خيار و ليس للبائع و لا عليه

ص: 188

شي ء، فليتدبر.

هذا و لكن الغالب كما في مثال المصاغ و الجوهر و غيرهما هو اعتبار القيدية فيكون له الخيار بين الفسخ و بين الأخذ بحسابه كما في مادة

(225) إذا بيع مجموع من الموزونات التي في تبعيضها ضرر مع بيان مقداره و بيان أثمان اقسامه و اجزائه و تفصيلها ثم ظهر وقت التسليم زائداً أو ناقصاً

إلخ .. و ان كان المثالان مختلفين و احتمال البطلان هنا بعيد بل هو مخير بين الفسخ و بين أخذ المجموع بحسابه و ربما يختلف الحكم باختلاف التعبير و القصد فإذا قال: بعتك هذه الصبرة على انها وزنه و كل حقة منها بدرهم فانكشف أنها أقل كان له الخيار بين الأخذ بحسابها أو الفسخ في الجميع، اما لو قال: بعتك هذه الجملة بقيد كونها وزنة بكذا ثم انكشف الزيادة أو النقصان توجه البطلان.

و «الحاصل» ان المقاصد و التعابير تختلف فيختلف الحكم فاللازم دقة الملاحظة في كل مورد بحسبه.

(مادة 227) إذا بيع المجموع من العدديات المتفاوتة و بين مقدار ثمن ذلك المجموع فقط فان ظهر عند التسليم تاماً لزم البيع

و إذا ظهر ناقصاً أو زائداً كان البيع في الصورتين فاسدا، مثلا- إذا بيع قطيع غنم على انه خمسون رأسا بألف و خمسمائة قرش ثم ظهر خمسة و أربعين رأسا عند التسليم أو خمسة و خمسين فالبيع فاسد.

لا يظهر وجه صحيح هنا لفساد البيع بل الصحة فيه اولى من الصحة في مادة (225) و هي إذا بيع مجموع من الموزونات التي في تبعيضها ضرر

ص: 189

إلخ .. فقد حكمت (المجلة) فيها بالصحة مع الخيار بين الفسخ و بين أخذ المجموع بحسابه فإذا كان المجموع الذي في قسمته ضرر كمنقل من نحاس لا يفسد البيع بنقصه أو زيادته فبالأولى أن يصح مالا ضرر في قسمته كقطيع الغنم، و مقتضى القاعدة أن يصح بحسابه كما صح هناك بل من المرجح أن يتعين هذا و لا يكون له خيار بينه و بين الفسخ أصلا للفرق الواضح بين الأبعاض الاعتبارية و الوحدة الحقيقة و بين الأبعاض الحقيقة و الوحدة الاعتبارية فإن قطيع الغنم ليس وحدته الا اعتبارية و انما هي وحدات واقعية اعتبر مجموعها شيئاً واحداً بخلاف المنقل فإنه واحد حقيقة و ينحل بالاعتبار الى أجزاء فالعقد على تلك الوحدات ينحل الى عقود متعددة فكل رأس من الغنم مبيع مستقل فإذا وقع العقد الواحد على خمسين و كانت خمسة و أربعين فنقص الخمسة لا يقدح في وقوع العقد على كل واحد من الخمسة و أربعين فيكون لازما لا خيار فيه و لكن بمقداره و هذا بخلاف منقل النحاس الذي هو خمسون رطلا فان العقد واحد و قد وقع على شي ء واحد غايته ان العقل يحلله إلى أبعاض و هي الأرطال و حيث انكشف عدم وجود ما وقع العقد عليه فيقتضي ان يكون فاسداً و لكن بالنظر الى التحليل الاعتباري و ان الموجود بعض المبيع فيكون له الخيار نظير تبعيض الصفقة و على كل حال فقد ظهر ان الصحة هنا اولى من الصحة هناك و ان حكم (المجلة) بان البيع في الصورتين فاسد- فاسد.

(و فذلكة الحساب في هذا الباب)

ص: 190

انك إذا بعت جملة من ذوات الكم المتصل كقطعة أرض أو طاقة قماش أو منقلة صفر و أمثال ذلك و عينت عدد الأذرع في أمثال الأولين أو الوزن في أمثال الأخير. و جعلت ثمناً واحداً للمجموع فان كان البيع كلياً ثم دفعت المصداق فظهر انه أكثر أو أقل فله ان يطالبك بالتكملة في الأول و لك ان تطالبه بالزائد في الثاني ليتحقق مصداق الكلي المبيع حسب الفرض و ليس له الفسخ، و ان كان البيع شخصياً فقلت بعتك هذه الأرض التي هي ألف فدان فظهر أنها أقل أو أكثر فله الخيار ان شاء يأخذ الموجود بحسابه بعد توزيع الثمن المسمى على الالف و ان شاء الفسخ و كذا في صورة الزيادة و يكون كبيع جديد بالنسبة إلى الزائد و له الفسخ أيضاً سواء عين للجملة ثمناً أو لكل فدان مقداراً و على هذا المنوال- بيع ذوات الكم المنفصل من المعدودات و ما يلحق بها من الأطعمة و الحبوب المكيلة و الموزونة فإن الكيل يرجع الى الوزن و الوزن يضبط أخيراً بالعدد كوزنه وزنتين و هكذا، ففي البيع الكلي و ظهور النقيصة له المطالبة بالمصداق و مع الزيادة يأخذها البائع ليبقى للمشتري حقه و هو المصداق و لا فسخ في الصورتين، اما في البيع الشخصي فكل منهما مخير بين الفسخ و بين الإمضاء بالحساب فاغتنم هذا البيان فلعلك لا تجده في غير هذا الكتاب، و منه تعرف ما في مادة

(228)، إذا بيع مجموع من العدديات- إلخ .. فإن الحكم بالخيار في صورة النقيصة كالحكم بالفساد في صورة الزيادة لا وجه له أصلا

و الحق ان البيع صحيح على جميع التقارير غايته انه مع الخيار تارة و بلا خيار

ص: 191

اخرى، كما ان مادة (229) في الصور التي يخير فيها المشتري من المواد السابقة إذا قبض المشتري المبيع مع علمه بأنه ناقص لا يخير في الفسخ بعد القبض نعم لا خيار له بالفسخ مع علمه لأن قبضه ظاهر في رضاه بالعقد و لكن له حق المطالبة بالنقيصة كما ان دفع البائع مع علمه بالزيادة لا يمنعه من الرجوع به و هو اعلم بقصده ان قال قصدت الأمانة أو غير ذلك.

(الفصل الرابع) في بيان ما يدخل في البيع بدون ذكر صريح و مالا يدخل

قد عرفت ان المرجع في مثل هذا الى العرف الخاص للمتبايعين و هو يختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة و العناصر و اللغات و لا يدخل تحت عنوان واحد و ضابطة مطردة فان تسالم المتبايعان على دخول شي ء أو خروجه فذاك و ان تنازعا فالمرجع الى عرفهما ان اتفق و ان اختلفا أو حصل الشك فالأصل عدم الدخول لاستصحاب بقاء ملك البائع. و قد يتفق عرف البلدان و الأمم على دخول شي ء إذا كان كالجزء من الشي ء أو جزء حقيقي كالمفتاح من القفل أو القفل اللاصق بالباب (كيلون) الذي هو كجزء منها اما مثل البقرة الحلوب فيختلف العرف في دخول

ص: 192

فلوها و عدم دخوله فقد يدخل في عرف قوم و قد يخرج في عرف آخرين ثم ان تخلف الداخل في المبيع عند الإطلاق من حيث انه يوجب الخيار فقط اوله المطالبة برد جزء ما يقابله من الثمن يرجع فيه الى العرف أيضاً فإن كان عندهم بمنزلة الجزء الحقيقي كان له قسط من الثمن كالميزاب أو الباب مثلا و الا فليس الا الخيار، و بهذا يتضح أكثر ما ذكر في هذا الفصل من المواد و ما ينبغي ان يقال فيها على الإجمال، و الى هنا انتهى الباب الثاني من أبواب البيوع المسطورة في (المجلة) و به يتم الجزء الأول من هذا الكتاب (التحرير)، و يليه إن شاء اللّٰه (الجزء الثاني) و يكون اوله (الباب الثالث) في المسائل المتعلقة بالثمن و كان العزم على إنهاء أبواب البيع كلها في هذا الجزء الذي بدأنا فيه اوليات شوال سنة 1359 و بلغنا الى هذا المقام بأقل من شهرين و قد تجاريا طبعه و تأليفه معاً في زمن واحد، و قد انتهزنا سويعات إلقاء هذه الخواطر للنشر من أنياب النوائب و حوادث الأيام و كوارث الآلام و الأسقام و تراكم الأشغال و المزعجات الروحية و البدنية و على كل فالمنة للّٰه وحده و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 193

(تدارك)

يوجد في مكتبتنا من المطبوعات القديمة كتاب (الأشباه و النظائر) للفقيه الشيخ زين بن نجيم الحنفي المصري من أهل القرن العاشر و كنا قبل برهة متمادية تصفحناه و أتينا على جملة من أبوابه و عند ما شرعنا في هذا التحرير و ذكرنا المؤلفات في القواعد العامة غاب عنا ان نذكر هذا الكتاب أو ان ننظر فيه و نستمد منه، و لما انتهينا الى ختام هذا الجزء استحضرناه من المكتبة فوجدنا ان المائة مادة التي ذكرتها (المجلة) في المقدمة جلها أو كلها بنصها و ترتيبها مأخوذ من هذا الكتاب بل و أكثر المواد في أبواب البيوع و الإجارات و ما بعدها من المعاملات أيضاً منتزع من الكتاب المزبور. و أول ما ذكر من القواعد العامة قاعدة (لا ثواب إلا بنية) (الثانية) (الأمور بمقاصدها) و هكذا بتغير يسير عما في (المجلة) و الناظر فيهما يجد في أول نظرة ان كتاب (المجلة) قد اختصر من ذلك الكتاب أو هو تحرير له. اما الكتاب في حد نفسه فالإنصاف ان فيه ثروة من القواعد العامة و الفروع النادرة و مادة من الفقاهة و الاستنباط تنبع من سعة خيال، و طول باع، و غزير اطلاع، و لكن قد خلط فيه الحابل بالنابل، و جمع بين الغث و السمين، و الركيك و المتين، حتى بلغ به الاسفاف و الضعف الى ذكر باب واسع من جملة أبوابه- في أحكام (الجان) و أنت خبير بان الفقه إذا دخلت فيه احكام الجان، فقد صار

ص: 194

أشبه شي ء بالخرافة و الهذيان، و إذا وفق اللّٰه سبحانه لتأليف الأجزاء الباقية من هذا (التحرير)، فعسى ان نتعرض لذكر النافع من هذا الكتاب فان فيه فوائد مطمورة في التوافه طمور الدر في المزابل، و هذا الكتاب عند الجمهور أشبه ما يكون بكتاب (القواعد) للشهيد الأول عند الإمامية و لكن ليس في كتاب (القواعد) احكام الجان و كثير من أمثالها من الفروع السخيفة و الفروض النادرة التي لعلها تقع و ربما لا تقع في الدهر و لا مرة، و على كل ذلك فشكر اللّٰه مساعيهم، و أثابهم على نياتهم و أعمالهم، فقد جدوا و اجتهدوا، و نفعوا و أفادوا، و نسئله ان يختم لنا بالحسنى انه ولي الإحسان، و آخر دعواهم ان الحمد للّٰه رب العالمين و قد وافق ختامه بقلم مؤلفة الضعيف العاجز.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء صباح الجمعة.

27 ذي قعدة الحرام سنة 1359

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.